حمّاد السالمي
* قضيت أربعة أيام؛ أتردد فيها على معرض الرياض الدولي للكتاب. وقفت أمام كافة دور النشر المشاركة. مسحت ببصري معظم العناوين المعروضة. حاولت جهدي مقاومة إغراء الشراء الملازم لي منذ أكثر من خمسين عامًا. كلما قلبت كتابًا؛ ساورني الشك أنه يقبع في رف من رفوف مكتبتي. مع ذلك؛ خرجت بعدد لا بأس به من العناوين التي أحرص عليها.
* كنت ألج المعرض وأخرج منه؛ وهناك صورة أخرى لا تفارقني. إنها صورة أول معرض للكتاب أعرفه في حياتي وأنا تلميذ في المرحلة المتوسطة، ذلك هو رصيف كتب (السيد علي) أسفل عمارة السبيعي في عزيزية الطائف. كانت عناوين الكتب ترمق المارة وتنادي محبي الكتاب أن هلموا. كنت أرتاد هذا المعرض اليومي الدائم، وأقتني منه عشرات الكتب بكل ما معي من مصروف زهيد في تلك الفترة. كان معرضًا حقيقيًا للكتاب قبل أن تعرف بلادنا معارض الكتب، ومثله مكتبات تجارية في عدد من المدن؛ لها فضل كبير على الكثيرين الذين يرون تاريخهم مع الكتاب مرة أخرى في المعارض الدولية الكبيرة وأنا منهم.
* متى ظهر أول كتاب في العالم..؟ ومتى ظهر أول معرض دولي للكتاب..؟
* تشير المصادر التاريخية؛ إلى أن أول كتاب عرفته البشرية؛ هو الكتاب الذهبي: (-Livre d›or The Golden Book)، الذي يحتوي على 6 صفحات من الذهب عيار (24 قيراطًا)، ويعود تاريخ كتابته؛ إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وهو مكتوب بلغة: (الاتروسك)، و(الاتروسك) قوم سكنوا منذ العصر الحديدي منطقة: (?trurie) بإيطاليا حاليًا، وكانوا مهرة في استخدام المعادن والمعدنيات.
* وللكتب والكتابة تاريخ طويل صاحب تطور البشرية ونمو الحضارات في قارات العالم، فالنقوش والرسوم الصخرية؛ سابقة دون شك لغيرها من أشكال التعبير الذي لجأ إليه الإنسان لتسجيل ذكرياته وتوثيق حياته من أجل الآتين من بعده، ثم تلا ذلك؛ الكتابة على الجلود وورق البردي، إلى أن تم اختراع المطبعة في الإمبراطورية الرومانية المقدسة قديماً، وقام باختراعها شخص يدعى: (يوهانس غوتنبرغ)، وذلك في حوالي عام 1440م، فقد كان (غوتنبرغ) يعمل كصائغٍ للذهب، لكنه قام باختراع نظام طباعةٍ متكامل باستغلال وتكييف التكنولوجيا والعلوم القائمة في وقته، وانتشرت المطابع بعد ذلك، وكان الورق قد اكتشف في الصين في عام 123 قبل الميلاد، ثم انتقل إلى أوروبا مع الحروب الصليبية. وظهرت أول نسخة مطبوعة من المصحف الشريف في ألمانيا، وأخرى في إيطاليا في القرن السادس عشر الميلادي، ويوجد من هذه الطبعة مصحف بدار الكتب العربية بالقاهرة،
* متى عرف العالم معارض الكتب..؟
* هذه قصة أخرى تعكس العلاقة الأزلية بين الإنسان والفكر الذي يتداول من خلال ما يُكتب ويُنشر. ففي العام 1439م؛ ظهر أول معرض دولي للكتاب في العالم في فرانكفورت بألمانيا، متزامنًا مع الفترة التي بدأت فيها الطباعة على يد (يوهانس غوتنبرغ) في بلدة (مينز) القريبة من فرانكفورت، وشكل هذا المعرض منذ ستة قرون إلى اليوم؛ أكبر تظاهرة دولية ثقافية تعنى بالكتاب والأدب بصفة عامة، فهو أهم سوق تجاري للكتب، ووسائل الميديا، والحقوق والرخص في جميع أنحاء العالم، والأول عالميًا في عدد دور النشر المشاركة. يذكر أن المعرض عادة ما يقدم جائزة للسلام منذ عام 1950م، كما يقدم جائزة لأكثر عناوين الكتب طرافة وغرابة. بعد خمسة قرون على ظهور معرض فرانكفورت الدولي للكتاب؛ ظهرت معارض دولية أخرى كبيرة في: لندن، والقاهرة، وكلاكوتا، ونيودلهي، وبولونيا، وبوينس آيرس. ثم تبعتها معارض كثيرة في دول عديدة، ما يكشف عن اهتمام الناس بالكتاب والكتابة، وعنايتهم بالتاريخ والثقافة والفكر عن طريق الكتاب المطبوع، الذي هو قناة التواصل في هذا الميدان الحيوي، حتى جاء النشر الإلكتروني، الذي راح اليوم يزاحم النشر الورقي، وربما يصبح الكتاب الورقي عن قريب؛ ضيفًا غريبًا أو ثقيلا في معارض الكتب الدولية.
* مئات آلاف المهتمين بالكتاب وما يكتبون؛ كانوا على موعد مع أيام معرض الرياض الدولي للكتاب؛ وقبل ذلك بأشهر؛ مع معرض جدة الدولي للكتاب، وشاهدنا كيف كانت ردهات المعرض تغص بالمثقفين والمثقفات، ويغشاها طلاب وطالبات وتلاميذ وتلميذات من مختلف الأعمار، وعلى هامش هذه اللقاءات على مائدة الكتاب؛ كانت هناك لقاءات حميمية بين ضيوف المعرض في مقار سكنهم. الكل يتنفس أدبًا وثقافة وفكرًا في أجواء بديعة وبعيدة عن كل المنغصات التي عرفناها في دورات سابقة. شكرًا وزارة الثقافة والإعلام؛ التي أتاحت لي هذه الفرصة الثمينة؛ كي أجدد عهدي بمعرض الرياض الدولي للكتاب؛ الذي هو ملتقى للحياة، وأجدد العهد كذلك بعشرات الزملاء من الكُتّاب والأدباء والباحثين من كافة مناطق المملكة.
* في كل معرض للكتاب؛ أجدني أتنفس ثقافة، وأفكر بحرية، فأقول بكل ثقة: أنا إذن موجود.. أنا أعيش في ملتقى للحياة.