عبد الله بن عبد المحسن الماضي
الأرطاوية هجرة حديثة، عُمْرها لا يتجاوز القرن وبضع سنوات. ومعلوم لدى أبناء المنطقة ما مرت به هذه الهجرة من: نشأة وأحداث؛ إذْ كانت بدايتها في شهر رجب عام (1328هـ) بعدد لا يتجاوز عشرة أنفار، انتقلوا إليها من بلدة (حرمة) لظروف ألجأتهم لذلك، وصار لها نمو رتيب بوسائل بدائية من بناء الطين وخشب السدر والأثل، ونمو سكاني من حاضرة وبادية من أقاليم وقبائل عدة.. حتى عام (1335هـ) حينما نزلها الدويش شيخ مطير وثلة من قومه مهاجرين من البادية إثر دعوة عدد من الدعاة بتكليف من الإمام عبدالعزيز -طيب الله ثراه-؛ فارتفع عدد السكان من بضع مئات إلى أن تجاوز ألفَي نسمة، وصار لها شأن إبَّان توحيد شتات هذا الكيان وما سلكته من منعرج سياسي. هذا، ومن خلال قراءة في كتاب بعنوان: سليمان بن صالح الدخيل «صاحب جريدة الرياض البغدادية» ص 155 عن نشأة الأرطاوية، نقله الأستاذ: محمد بن عبدالرزاق القشعمي، الكاتب والباحث المعروف، ما نصه حرفياً:
((الأرطوية.. بلدة جديدة في ديار نجد.
منذ شهور باعت إحدى عشائر نجد خيلها وجمالها وما عندها من العروض والأموال في سوق الكويت وغيره، وأخذت بدلها نضاراً نضيراً، وهبطت وادي «الأرطوية»، فبنت فيه قصوراً، وشرعت تُعنى بأمرين لا غيرهما «الزراعة والعلم». وقد أهمل أفرادها كل شيء سواهما، ومنعوا كل غريب عن عشيرتهم أن يقطن بين ظهرانيهم، وهم لا يأذنون لواحد منهم أن يشتغل بغير الزراعة والعلم، وإذا احتاجوا إلى شيء ليس في بلادهم، أو عمل خارج دائرة العلم والزراعة.. فإمَّا أنهم يُعالجونه بأنفسهم في وقته، وإمَّا أنهم يرسلون واحداً ليجلب لهم من المدن المجاورة ما يحتاجون إليه)).
ويُتابع القول «الدخيل»:
((نمى إليَّ هذا الخبر في وقت وقوعه، وصممت على نشره في جريدتي الرياض «البغدادية»، لكني تريثت ريثما أتحقق الخبر كل التحقق. وبينما أنا أرقب ذلك إذ حضر عندنا من شاهد هذا الأمر، ورآه بعينيه وأنعم النظر في تلك القصور الجديدة حسنة البناء.. فرأيت أن أثبتها للقراء حفظاً لتاريخها في مستقبل الزمان، واسم العشيرة العريمات)). هكذا النص.
وأخذ «سليمان» يشرح عن أصول العشيرة وانتمائها لقبيلة حرب، وأن شيخها «قويعد العريمة».. وهي شعبة من شعب بني سالم.
وهنا أقول: ليته ذكر لنا التاريخ، واسم من أكَّدَ له هذه الرواية التي لا أساس لها من الصحة جملة وتفصيلاً.
هذا، وقد سبقه من كتب عن بُعد أمثال خالد الفرج، وما جاء بكتابه: «الخبر والعيان» عن نشأة الأرطاوية عام (1330هـ)، وقوله في ص 477: عن بناء المساجد وتوريد الأخشاب، وجلب مهرة العمال والبنائين، وترتيب مشايخ وأئمة المساجد ومعلمين، وطباعة مئات الآلاف من المصاحف والكتب الدينية.. إلى أن قال: حتى كادت تُمْحى الأمية في هجرة الأرطاوية.. إلخ.
كيف للأمية أن تُمحى في هجرة الأرطاوية في الثلاثينيات من القرن الماضي، وتنفرد عن الأمية التي كانت تكتسح منطقة نجد؟ ثم هل من المعقول جلب مئات الآلاف من المصاحف والكتب الدينية للأرطاوية في ذلك الزمن؟!
وبحكم المتابعة والاستقصاء، وأني ابن الأرطاوية ولادةً ونشأة.. فإن هذه الأقوال مشبعة بالمغالطات والمبالغات التي في غير محلها.. هذا، وقد كان لي مدونة تاريخية في كتاب «نشأة الإخوان ونشأة الأرطاوية»، أرجو أن تكون مستوفية للحقيقة.
لذا فإن المُعد لهذا الكتاب عن «سليمان الدخيل» سعادة الأستاذ: محمد القشعمي، وهو من أبناء المنطقة.. ومن محافظة الزلفي التي ذكر مجاورتها للأرطاوية.. لا يغيب عن سعادته معرفة أن الأرطاوية هي في الأصل موارد لفئة من قبيلة مطير، ونشأتها بجهود عدد من أبنائها من مختلف المشارب حاضرة وبادية، وأن ما كتبه: سليمان الدخيل عارٍ من الصحة، ولا يستند إلى مصدر موثق.. فالأمل منه والرجاء أن يكون لسعادته سعي في نفض الغبار الذي خَيَّمَ على تاريخ الأرطاوية ونشأتها.
أرجو ذلك، وله الشكر الجزيل.