د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** لعل من أطرف الحوارات التي تجري بين الأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين المفاضلةَ بين الوسائط الرقمية؛ أيها أهم؟ وأيها أكثر فاعليةً؟ وأيها الأجدرُ بالمتابعة وكذا المشاركة؟ وهي حواراتٌ باسمةٌ دون دلالات؛ فمرد الأمر هنا هو الذائقة والاعتياد والارتياح؛ كمن يفضل السهر مع نص شعري على مشاهدة فيلم سينمائي، أو يجد في حضور مسرحية ما يمتعه أكثر من قراءة كتاب، أو كمن يريد إقناعك بمتابعة «ريال مدريد» وأنت من جماهير «برشلونة»؛ مع أن الولاءات الرياضية - مهما تعصبت - لا تستطيع إلغاء الميول الأخرى وإن ناوأتها، مثل من يسعى لإقناع مشجعٍ هلالي كي يكونَ نصريًّا، والعكس، وهيهات.
** لاوسيط يتفوق على وسيط كما لا كتابَ يلغيه كتاب مهما اتخذنا من معايير نظن فيها الجودة والجدية والتميز ف «لكلٍ وجهةٌ هو موليها»، وفي الوسائط الرقمية لا يختلف الأمر؛ إذ «واتساب « الذي يستخدمه الأغلبية في معظم بلاد الله بنسبة 90 % من مستخدمي الأجهزة الذكية لجمعه كلَّ الوسائط في تطبيقاته ليس أكثر أهميةً من «إنستغرام» الذي يحتفي به نصف هذه النسبة، و»فيسبوك» الذي يتابعه ملياران من البشر، و»تويتر» الذي يُعلن منه الرئيس الأميركي قراراته لا يختلفان عن «إيمو» و»باث» و»تيليغرام» و»لاين» و»لينكد إن» و»مسنجر» وسواها من تقنيات الاتصالات «الفردية والجمعية» التي لا تحظى باهتمام مماثل؛ فـ»لكل امرئٍ من وسائطه ما تعوده» أو تعمده.
(2)
** المحور الأجدى للنقاش هو إضاءاتُ هذه الوسائط وإضافاتُها وأمانُها وأجواؤها ويسر التفاعل عبرها ونوع جمهورها ومستوى طرحهم، وفي العبارة « المترجمة «الذائعة : « النفايات الداخلة نفاياتٌ خارجة» ، أو بمعادلة: GI=GO
ما يعني أن التيه يلدُ التيه والضحالة تورث ضحالة، وهو ما اصطلح على الرمز له بـ: GIGO
ويرى بعضُ الباحثين أن المعادلة لا بد أن تكون كما يلي: GI=GS
أي أن النفايات الداخلة لا تخرج، بل «تبقى» داخل الجسم والعقل والقلب STAY
وتنمو بعفنها فترمُّ على فسادٍ وإفساد؛ GIGS
(3)
** ليس المهمُّ قيمةَ وسيط يعلو أو يدنو وإنما وسطاءُ يَصدُقون ويكذبون ويقولون ويتقولون ويخلصون للمعنى أو يأسرهم المبنى، وهنا إشكال ثقافي ومأزق أخلاقي؛ فكل ما تصنعه أو تحاول أن تصنعه معادلة «التربة والتربية» التي يتكئُ عليها منطقُ البناء النفسي والعلمي والسلوكي ستتبدل وفقًا لمدخلات الوسائط ومخرجاتها بمتحركها المؤثّر في المجموع وساكنها المؤثّر في الفرد، وسوف يتولد عنهما صراعٍ بين ما يريده المخطِّطُ الإستراتيجي للتغيير والتطوير وما تصنعه عشوائية الوسطاء بعزلة عن توازن أساسات التربة وجهود التربية ونواتجهما العلمية والعملية؛ فما يدور ويُدار ويثور ويُثار لا يُحكم لها أو عليها بوصفها «الوعائي» المحايد، بل بما تحمله من نَضارٍ أو غبار.
** التقنيةُ ملفى ومنفى.