د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الاستيراد جزء من الممارسات الاقتصادية، وله أهميته، ولهذا فلم يعد مفهوم الاكتفاء الذاتي ممكناً، لأنه في الواقع شبه مستحيل، كما أنه يؤدي إلى الكثير من المشاكل الاقتصادية والإنتاجية، وليس هذا موضع طرحها، لهذا أصبح التبادل التجاري هو الأساس في المفهوم الاقتصادي والتجاري، فمن خلال الاستيراد يمكن الاستفادة من منتجات كثيرة في تطوير الاقتصاد المحلي، وتقديم الخدمات للشعوب، وبه يمكن التعرف العملي على الكثير من المنتجات، ومن ثم محاولة توطينها.
توطين المنتجات الصناعة والخدمات مهم جداً، ولهذا فإن المملكة تسعى بكل جهد للقيام بذلك، مستفيدة من علاقاتها المثمرة مع العالم الخارجي لاسيما الدول المتقدمة، والتوطين يتيح الفرصة لتوظيف عدد غير قليل من شباب الوطن، وتطوير مهاراتهم، ورفع كفاءاتهم، كما أن ذلك سيتيح لهم الإبداع، وإيجاد منتجات مماثلة أومطورة، تستطيع إحلال جزء من المنتجات المستوردة، وربما يمكن من خلال التوطين، إيجاد منتجات يمكن تصديرها إلى الدول الأخرى لخلق التوازن في الميزان التجاري غير النفطي.
التبادل التجاري بين المملكة والصين في عام 2017م بلغ نحو خمسين مليار دولار، تصدر المملكة إلى الصين ما قيمته 32 مليار دولار تقريباً، 20 مليارا منها نفطاً، ومن هذا يتبين أن المملكة تصدر إلى الصين ما قيمته 12 مليار دولار تقريباً من منتجات أخرى غير النفط الخام، وقد يقول قائل إن معظم ما يصدر إلى الصين من منتجات غير النفط الخام، إنما هي منتجات تعتمد في مادتها الخام على النفط، وجلها بتروكيماويات، وهذا صحيح، لكن من حسن التدبير أن تتم الاستفادة من المادة الخام المتاحة لإيجاد صناعة عالية الجودة يمكن تصديرها إلى العالم الخارجي، وبأسعار منافسة، وبمشاركة كبيرة من المواطنين، ولهذا فإن هناك قيمة مضافة من هذه الصناعة التي يتم توطينها بكفاءة عالية من المملكة العربية السعودية.
رؤية 2030، أخذت بعين الاعتبار كل ذلك، وقد أسس صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد حفظه الله قاعدة كبيرة لتوطين الكثير من الصناعات، لاسيما تلك المعتمدة على التقنية العالمية، ومسابقة الزمن للوقوف جنباً إلى جنب مع دول العالم المتقدم، وهذه التقنية ستكون واسعة المدى، من صناعة السيارات إلى الريبورتات والتقنية العالمية، والفضاء، والطاقة البديلة، وصناعات أخرى، ستقوم بها المملكة في القريب العاجل، بعد أن بدأ بعضها الاستقرار في المملكة فعلياً، لاسيما أن المملكة تنعم بأمن وأمان، يسمح لكثير من الشركات العالمية المساهمة والاستفادة من هذه الرؤية المفيدة للجميع.
والخدمات ليست في منأى عن ذلك المفهوم، فالغذاء، والطرق، والترفيه أيضاً جزء من ذلك التوطين، ولعلنا نجد أن كثيراً من المنتجات والخدمات الغذائية أصبحت مستوطنة، وأظهر المواطن القدرة على إيجاد بديل منافس لغيره من العلامات التجارية الأخرى، كما نشاهد ذلك في الهامبرجر، والقهوة، وكثير من الأغذية التي كانت تقدم للمواطن تحت علامات غذائية خارجية، والأجمل أن بعضاً منها وإن كان على نطاق محدود أصبح معروفاً لدى دول أخرى.
أصبح عدد المواطنين نحو عشرين مليون نسمة جله من الشباب القادر على العمل، والساعي إلى الإنتاج، وتوفير فرص التوظيف لعدد غير قليل من المواطنين، الثقة في شباب الوطن كبيرة للمزيد من الإنتاج والإبداع في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين حفظهما الله ورعاهما.