فيصل خالد الخديدي
كتب الفنان فان جوخ في إحدى رسائله المتأخرة لأخيه ثيو (الأسود والأبيض يلونان الحياة بالرمادي، للرمادي احتمالات لا تنتهي... التبغ يحترق والحياة تتسرب للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه، كالحياة تماماً، كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها... لأجل ذلك أغادرها في أوج اشتعالي... ولكن لماذا؟! إنه الإخفاق مرة أخرى، لن ينتهي البؤس أبداً... وداعاً يا ثيو، «سأغادر نحو الربيع»).
قبل أيام غادرنا نحو النور والضياء والربيع المنتظر الفنان فهد الحجيلان رحمه الله توفي وهو في أوج اشتعاله، وكأنما حروف فان جوخ السابقة صيغت قبل أكثر من مائة عام لتصف حال مغادرة فهد الحجيلان الذي عاش ضجيجه الداخلي بصمت ورحل بصمت، وتركنا نجر خيبات ضجيجنا في مواقع التواصل والمجالس نحاول أن نعطيه شيئا من التقدير الذي يستحق بعد أن غادرنا... قرع أكثر من جرس قبل رحيله المر ولكنها الحياة المادية التي ارهقتنا في عجلتها، فلم نكن له أصدقاء أوفياء كما يستحق، ولم نسمع قرع آهاته وألمه وتظلماته، فكان يكتب ويمحو ويغفو على ألم ليصحو على أمل وجميعها تتكسر على خيبات توالت تترا عليه وهو يكضمها ويهضمها ليخرج ابتسامته البسيطة وضحكته العابرة وكثيرا من إبداع لون ومعاناة حرف عبر كل الوسائط، لم يكن متلوناً في طباعه مع أنه متمكناً من ألوانه وأدواته وعباراته، لأن اللون له روح وتلون المصالح لم يكن له عليه طريق، شفافيته المرهفة وحساسيته المتناهية كانت تُخدش بمواقف تصغر وتكبر، فمن تهميش لفنه في معارض او مشاركات، أو تجاهل اسمه من كتاب يرصد مسيرة الفن السعودي ويسقطه من هذا الرصد، وصولاَ الى الظلم في التعامل مع فنه واهمال اعماله وضياعها في مشاركات وزارة الثقافة، ربما تكون أشياء بسيطة ولكنها موجعة وتعني الكثير لفنان عاش الفن حياة وسكنه الفن حتى في أقسى حالات الوجع، وجاء فراق الروح في مرسمه وبين ألوانه ليكون شاهداً على ذلك..
أسمح لنا فهد خيباتنا معك، فلم نكن منصفين لك...ولم تكن مؤسساتنا الثقافية تعرف قدر إبداعك وشفافية روحك وتعطيك شيء من حقك، وبرحيلك أسدلت الستار لمشهد لن يكون الأخير شاهد على قسوة وجحود مجتمعنا ومؤسساتنا في التعامل مع الصادقين النبلاء.