أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: أما المعاناة التاريخية فأستشهد لها بمعاناة واحدة من ضمن معاناة كثرة؛ وهي تنظيمه الحوار مع أمريكا بهذا الأسلوب عن حقوق العرب في بلدانهم بما في ذلك فلسطين .. قال رحمه الله تعالى: ((أما حقوق العرب في فلسطين فإنها لا تقبل المجادلة؛ لأن فلسطين بلدهم منذ أقدم الأزمنة؛ وهم لم يخرجوا منها كما أن غيرهم لم يـخرجوهم منها؛ وقد كانت من الأماكن التي ازدهرت فيها المدنية العربية ازدهارا يدعو إلى الإعجاب؛ ولذلك فهي عربية عرقا ولسانا وموقعا وثقافة؛ وليس في ذلك أي شبهة أو غموض؛ وتاريخ العرب في تلك البلاد مملوء بأحكام العدل والأعمال النافعة؛ ولما جاءت الحرب العامة: انضم العرب إلى صف الحلفاء؛ أملا في الحصول على استقلالـهم، وقد كانوا على ثقة تامة من أنهم سينالونه، بعد الحرب العامة [قال أبو عبدالرحمن : وذلك بناء على وعدهم] للأسباب الآتية:
1 ـ لأنهم اشتركوا بالفعل في الحرب ، وضحوا فيها بأموالها وأنفسهم .
2 ـ ولأنهم وعدوا بذلك من قبل الحكومة البريطانية في المراسلات التي دارت بين ممثلها (السير هنر مكماهون)، وبين الشريف حسين.
3 - ولأن سلفكم العظيم (الرئيس ولسون)، قرر دخول الولايات المتحدة في الحرب إلى جانب الحلفاء؛ نصرة للمبادىء الإنسانية السامية التي كان أهمها حق تقرير المصير.
4 - ولأن الحلفاء صرحوا في نوفمبر سنة 1918 ميلاديا عقب احتلالهم البلاد: أنهم دخلوها لتحريرها ، وإعطاء أهلها حريتهم واستقلالهم؛ وإذا رجعتم فخامتكم إلى التقرير الذي قدمته لجنة التحقيق التي أرسلها سلفكم الرئيس (ولسون) عام 1919 ميلاديا إلى الشرق الأدنى: لعلمتم المطالب التي طلبها العرب في فلسطين وسورية حينما سئلوا عن المصير الذي يطلبونه لأنفسهم..)).
قال أبو عبدالرحمن : وأما قوة المنطق الصادق وعبدالعزيز ابن بجدتها: فمن أمثلته هذا النموذج من محاورته أمريكا.. قال رحمه الله تعالى: ((ولكن العرب لسوء الحظ وجدوا أنفسهم بعد الحرب: أنهم قد خذلوا، وأن الأماني التي وعدوا بها لم تتحقق؛ وقد جزأت بلادهم، وقسمت تقسما جائرا، وأوجدت لهذه الأقسام حدود مصطنعة لا يبررها عوامل جغرافية، ولا جنسية، ولا دينية؛ وعلاوة على ذلك وجدوا أنفسهم أمام خطر أعظم؛ وهو خطر غزو الصهيونية لهم، واستملاكها لبقعة [التي هي] أهم من بقاعهم؛ ولقد احتج العرب بشدة عندما علموا بتصريح (بلفور)، واحتجوا على نظام الانتداب، وأعلنوا رفضهم له، وعدم قبولهم به منذ اليوم الأول؛ وقد كان تدفق مهاجري اليهود من الآفاق المختلفة إلى فلسطين: مدعاة لتخوف العرب على مصيرهم وعلى حياتهم؛ فحدثت في فلسطين ثورات وفتن متعددة سنة 1920 و1921 و1929 ميلاديا وكان أهم تلك الثورات ثورة عام 1936 ميلاديا التي لا تزال نارها مستعرة حتى هذه الساعة.. إن عرب فلسطين يا فخامة الرئيس ومن ورائهم سائر العرب، والعالم الإسلامي: يطالبون بحقهم، ويدافعون عن بلادهم ضد دخلاء؛ ومن المستحيل إقرار السلام في فلسطين إذا لم ينل العرب حقوقهم، ويتأكدوا أن بلادهم لن تعطى إلى شعب غريب أفاق تختلف مبادؤه وأغراضه وأخلاقه عنهم كل الاختلاف ؛ ولذلك فأنا مهيب بفخامتكم ؛ ومناشدكم باسم العدل والحرية ونصرة الشعوب الضعيفة التي اشتهرت بها الأمة الأميركية النبيلة: أن تتكرموا بالنظر في قضية عرب فلسطين ، وأن تكونوا نصراء للأمن المطمئن الهادئ المعتدي عليه من قبل تلك الجماعات المشردة من سائر أرجاء العالم؛ لأنه ليس من العدل أن يطرد اليهود من جميع أنحاء العالم المتمدن ، وأن تتحمل فلسطين الضيقة المغلوبة على أمرها هذا الشعب برمته؛ ولا نشك في أن المبادئ السامية التي يتحلى بها الشعب الأميركي ستجعله يذعن للحق، ويقدم النصرة والعدل والإنصاف)).
قال أبو عبدالرحمن : إن عبدالعزيز يستمد منطقه من المصارحة العادلة الصادقة كما في رسالته لأمريكا؛ واقتضب منها حواره لرئيس أمريكا بقوله: ((أما ما ذكرتم من المصالح الاقتصادية التي تربط بلدينا فاعلموا أنها أهون في نظرنا من أن نبيع بها شبرا واحدا من أرض فلسطين العربية لمجرمي اليهود، ويشهد الله أنني قادر على أن اعتبر آبار البترول كأن لم تكن؛ فهي نعمة ادخرها الله للعرب حتى أظهرها لهم في الزمن الأخير؛ فلا والله تكون نقمة عليهم أبدا؛
ولقد صرحت للعالم مرارا أنني مستعد أن أسير أنا وأولادي جميعا لنقاتل في سبيل فلسطين حتى نمنع قيام دولة اليهود فيها أو نموت؛ فكيف يعقل بعد هذا أن يكون المكسب المادي من البترول أعز من نفسي ونفوس أولادي؟..إن القرآن الذي نؤمن به، وعليه نحيا وعليه نموت: قد لعن اليهود كما لعنتهم التوراة والإنجيل، وهو يوجب علينا أن نمنع اعتداءهم على هذه الأرض المقدسة بأرواحنا وأموالنا، لا يقبل منا في ذلك صرفا ولا عدلا، وإذا كانت العقيدة الدينية عند المسيحيين الأمريكيين وغيرهم قد بلغت من الرقة والضعف بحيث تسوغ لهم تمكين اليهود من تدنيس الأرض المقدسة: فإن قلوبنا ما تزال عامرة بالإيمان الذي يحول بيننا وبين ذلك. . لقد كان في ممالأتكم السافرة لأعدائنا الصهيونيين، وموقف حكومتكم العدائي نحو العرب ما يكفي ليحملنا على قطع الصلات الودية بين بلدينا، وفسخ عقود الشركات الأمريكية، وإلغاء الامتيازات التي خولناها لها؛ ولولا أننا آثرنا ألا نعمل باتخاذ مثل هذا الإجراء لعل حكومة الولايات المتحدة تراجع نفسها ، وتصحح موقفها من قضية فلسطين؛ فتعدل عن تأييد الباطل الواضح إلى تأييد الحق الواضح دون ضعف منا أو تهديد بقطع مصالحها الاقتصادية في بلادنا؛ لأننا معشر العرب نؤثر أن ينتصر الحق بالحق لا كما يفعل أعداؤنا الصهيونيون)).
قال أبو عبدالرحمن : وقصارى القول: أن الـعبرة بالوعي التاريخي، والمصارحة الصادقة العادلة التي لا ترضى بالظلم منها أو عليها ، وبالإدراك العقلي النير سواء أكان التعبير بالعامية ، أو بالفصحى، أو بأي لغة خواجية ، وإلى لقاء في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.