نادية السالمي
اشترط «فراس سواح» لتحقيق المعرفة وجود طرفين إيجابيين _لا طرفا سلبيا وآخر إيجابيا_ لهما ما عليهما من الواجبات تجاه الآخر وتجاه مقام الحرية السامي، وبإمكاننا بقليل من الوعي مد بساط هذا الشرط على أي طاولة حوار.
تلبية دعوة:
العازم على تلبية الدعوة لمقهى ما _أعني قروبًا ما_ عليه أن يرتدي ذكاءه، ويتعطر بثقافته، ويوقد ضميره، ويعرف أن العشرة مع الناس والحروف تتطلب مع الجرأة الصبر، ويعطي نفسه فرصة لتفكير لأن القروبات الثقافية لا ثقافة حقيقية ترجى منها إنما هي تقوم بدور قروب العائلة الواحدة ولا تحيد عنه..تربطك بغيرك من الناس بعلاقات إنسانية قوية أو ضعيفة، أضف إلى أن القروبات الثقافية والأدبية لها قدرة عجيبة في ربطك بعلاقات لا إنسانية أنت إما نجمٌ فيها أو فحمٌ، وبين هذا وذاك هناك من يزيد توهج النجم أو سواد الفحم عن ثأر أوجهل أو نفاق أو غرور!.
إدارة مثل هذه المجموعات:
الذين يأملون أن تؤتي هذه القروبات أكلها ويعملون على توظيفها لتبادل الرؤى والتثاقف وإثراء المشهد الثقافي لا شك أن مقاصدهم نبيلة، وهذا للأسف لا يكفي. هم بحاجة إلى جهد مضنٍ، وعمل دؤوب وكادر يؤمن بالثقافة ويؤمّن لها نبعًا كلما تكدر سعى لتصفيته، بحاجة إلى خطة عمل كلما ضلت عادت واهتدت، وبرامج ذات نفع في صنع الموهبة، وبناء الوعي، ومعايير ضيقة جدًا في اختيار رواد ثقافة اليوم وروادها في المستقبل من الواعدين.
الفهم داء القروبات:
الثقافة الطاولة المستديرة _لا المستطيلة_التي يجتمع عليها الراغبون في الوعي وهي من المفترض كذلك في القروبات التي للأسف تميل للطاولة المستطيلة كي تحاول قطف ثمار يانعة. ولكن على هذه الطاولة تخلط الأوراق ويسوء الفهم فيها، وقد يتمادى إلى سواد الصدر بين الأعضاء وبالتالي نشوب مشاحنات وحروب طاحنة قد لا تعرف من جنودها وأين ثمار موهبتهم خلال اقامتهم، وكيف نزلوا إلى ساحة الكلام كل الذي تعرفه أن وجودهم وتراص حروفهم لن يكون إلا وقت المشاجرة، وسيعودون للصمت حتى نشوب حرب جديدة.
وفي هذه القروبات يُسلط الضوء على موهبة يراها روادها أنها جديرة بالاهتمام وضرورية في كل القروبات وبدونها تُهدم عروة المعرفة والتنوير وهي «النسخ واللصق» !. ينسخ صاحب هذه الموهبة بكل جلد وتفان على جدار المجموعة، كل مايعتقد أنه نافع للبشرية في شتى المجالات المطبخ والديكور والمقالات المجهولة، والحملات المشبوهة. وطرفة لا تعرف تبكي منها أو تضحك، والموضة التي تنافس مساحتها مساحة الأدب، وقائمة طويلة تعذبك كلما رأيتها لأنها تجعلك تجدّف بنظراتك في كل اتجاه لتبحث عما تريده في مشاركات الأعضاء قبل فعل النسخ واللصق وبعده!.
تموت المجموعات كلما
اتقد فيها الفراغ:
تعرف أن هذه المجموعة اتقد فيها الفراغ إذا لم تتدفعك للتفكير، ولم تعلمك كيف تتخذ موقفًا بعد هذا التفكير.
إذا وجدت نفسك مضطرًا فيها للنقاش عن المسلمات والثوابت.
حين ترغمك على الدفاع عن نفسك مع كل رأي تطرحه.
إذا زادت معاركك الكلامية وكثر ضحاياك.
حين لا تضيف لك شيئًا معرفيًا أو ثقافيًا وحتى إنسانيًا.
حين لا تعلمك كيف تصنف الغث والسمين.. الجيد والقبيح.
إذا لم تحثك على النظر في ذاتك ومراجعة نفسك وثقافتك، بيئتك وأطروحاتك.
وإذا بحثت عن نفسك فيها ولم تجدها، أو لاحظت أنك تتحول إلى كائن آخر لا تعرفه.
وإذا كان أغلب مايلصق على جدرانها ليس قريبًا من الغرض الذي خُلقت من أجله.
فاعلم أنها تنحر وقتك وتسرقك من نفسك ومن واجباتك والتزاماتك تجاه أسرتك وعملك وموهبتك والمجتمع.
هكذا تنتهي المجموعات كلما اتقد فيها هذا الفراغ الخادع للرائي بداية الأمر.. لهذا المثقف الذي يحترم نفسه إما أن ينأى بنفسه، ويغادر، فبوابة القروبات أكبر بوابات الدنيا، وإما أن يمكث فيها عارضًا ما يعتقد صوابه، غير مبالٍ بحصاد ماقيل فيه مدحًا أو ذمًا فهو في حاجة لكسب المبدأ لو خسر الحياة، شرط أن يرحم فقير المعرفة، وقليل الوعي.
وإما أن يصاحب مكوثه فيها صمت القبور فيصمت مهما وجد، حتى يُسجل عن قرب رؤاه عن الحراك والمشهد الثقافي ويدوّن في آخرها شهادته بأن أبطال هذا الزمن ينتصرون بالخسارة.
أجدر مايمكن قوله: هذه المجموعات لا تغني عن الكتب يكفيك من الكتاب أنه يعطي ولا يأخذ، ولا يتسنى له أن يسجنك بموجب حكم ما داخل قفص ما.