د. حمزة السالم
يجب التفريق بين مفاهيم ربوية ثلاثة لنفهم أحكام الربا. بين مفهوم الربا وهو الزيادة، وبين مفهوم المعاملة الربوية وقسميها الحاضرة والآجلة، وبين مفهوم الأموال الربوية.
فالربا هو لفظ شرعي لكل زيادة تتولد من أي معاملة مالية تبادلية بين اثنين فأكثر. فهو قيمة متولدة زائدة، تنتج حتماً عن أي تبادل أموال. فالربا هو زيادة قيمة عن الأموال المتبادلة.
ويكون هذا الربا المتولد صدقة، ويكون جائزاً ويكون محرماً. فالربا، ليس له أحكام شرعية مستقلة به، إنما هو تابع للمعاملة المالية التبادلية، فإن كانت ربوية فالربا الناتج عنها محرم، وإن كانت المعاملة غير ربوية، فالربا الناتج عنها جائز أو صدقة.
ومفهوم المعاملة الربوية، فإما أن تكون قرضاً، وما في معناه من الصدقة -كالوديعة والعارية-، فالربا الناتج عنها محرم مطلقاً في كل حال وفي كل مال، وهذا هو ربا القرض.
وإما أن تكون المعاملة الربوية بيعاً وما في معناه من التجارة والرهن والتعاوض، إذا كانت الأموال المُتبادلة، أموالاً ربوية. والبيع بأموال ربوية، إما يكون حاضراً فاصطلحوا على تسمية رباه المتولد منه، بربا الفضل. وقد يكون البيع بالآجل، فأسماه نبينا عليه السلام بربا النسيئة.
والمفهوم الثالث، مفهوم الأموال الربوية، وهي الأصناف الستة التي جاءت بها السنة، فخصصت بالتحريم ربا من بيوع بها.
وكل أحاديث الربا جاءت في ربا البيوع، وغالب خلافات الفقهاء وطروحات الأصوليين وأمثلتهم، كانت في الأموال الربوية.
فربا البيوع هذا، هو الذي أشكل على المشركين منطقه وحكمته، فجادلوا فيه، فقالوا {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}.
وربا البيوع هذا، هو الذي ضيع المسلمون علومه وأحكامه، فضاعت فهومهم وأحلامهم. فما عادوا يفهمون معنى كلمة الربا، وما عادوا يفرقون بين قرض وبيع. وما عادوا يرون ظلماً في استغلال حاجة فقير بإقراضه مائة ريال يكون سدادها أجلاً، ناقة. بينما يرون الظلم كله في إعطاء مستثمر مائة ريال يكون سدادها أجلاً مائة وريال.
وأسباب تضييع المسلمين للربا ولأحكامه الشرعية، ثلاثة: النزعة للتحريم، والانتصار للمشيخة، وغياب تصور مبادلات الناس في عصر النبوة، بسبب تطور المسلمين حضارياً بسرعة هائلة، فغاب عنهم نظام المقايضات الذي كان مسيطراً على تبادلات الناس وتعاملاتهم في عصر النبوة.
فأحكام الربا الشرعية التي جاء بها الإسلام، لا تتجاوز حديث الأصناف الستة، وما يدخل فيها، وهي كلها تتعلق بربا البيوع، ولم تأت إلا متأخرة، بعد أن فُتح على المسلمين خيبر، وأصبحت لهم أسواق يتبايعون فيها ما فضل عن حاجتهم.
أما ربا القرض، فهو معروف عند من قبلنا من الأديان، كما هو معروف عند العرب. لذا لم يأت فيه حديث ولا سؤال صحابي عنه، رغم نزول القرآن بالنكير فيه من أوائل أيام الهجرة. والقرآن قد جاء بالنكير بالربا على معشر يهود، لا على المشركين ولا على النصارى. فالعرب والنصارى لم تكن تتعامل بربا القرض. فأما العرب فيرونه من خسيس الأعمال، وأما النصارى، فقد كانت الكنيسة مغلظة الإثم والعقوبة فيه، حتى على الملوك.
ولم يظهر الربا في النصرانية إلا مع فرسان المعبد، مُلبساً في صور حيل، كصيرفتنا الإسلامية. وكانت هي المدخل التي دخل به ملك فرنسا على فرسان المعبد، فأبادهم عن بكرة أبيهم بحجة استحلالهم الربا، فهل يعيد التاريخ نفسه.