حينما أطلق سمو ولي العهد مشروع نيوم الذي يأتي في إطار التطلعات الطموحة لرؤية 2030 بتحول المملكة إلى نموذج عالمي رائد، في مختلف جوانب الحياة، من خلال التركيز على استجلاب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية داخل هذا المشروع لفت الانتباه حينها تصريح سموه بأن الطائرات بدون طيار ستكون إحدى وسائل النقل في مشروع «نيوم».
استخدمت الطائرات بدون طيار تجارياً لأول مرة في اليابان في الثمانينيات عندما أثبتت فاعليتها في رش المبيدات الزراعية على حقول الأرز عوضاً عن الطائرات المروحية التقليدية ومنذ ذلك الحين والعمل قائم على تحسينها وتطويرها لأجل تقليل تكاليفها بما يتناسب مع متطلبات الاستخدامات المدنية.
أحدث تطور تقنيات الطائرات بدون طيار تحولاً جذرياً في شتى المجالات الاقتصادية مما سيكون له الأثر البالغ في نماذج أعمالها. فتطبيقاتها تبدأ من التصوير في صناعة السينما والإعلام مروراً بالخدمات العامة وخدمات النقل، ليس هذا وحسب، بل بمقدور الطائرات بدون طيار دعم العمليات التشغيلية في القطاعات ذات الأهمية الاقتصادية للمملكة مثل قطاع الطاقة والغاز، التعدين، المرافق العامة والبنية التحتية والخدمات العامة كالكهرباء والمياه والاتصالات. وليس بالضرورة أن تكون تطبيقات الطائرات بدون طيار ذات منافع اقتصادية بحتة، بل قطاع السلامة العامة من أحد القطاعات التي يمكن أن تستفيد من هذه التقنية كحراسة المرافق العامة وتعزيز سلامة الأفراد سواء في الحج أو المناسبات الجماهيرية من خلال تحسين عمليات اتخاذ القرار القائم على المعلومات الآنية التي توفرها الطائرات وتقديم خدمات نقل الدم والأجهزة الطبية اللازمة. بحلول عام 2030 يتوقع أن يكون حجم السوق المقدر لتطبيقات وحلول الطائرات بدون طيار في المجالات المدنية بحدود مليار ومائتي مليون ريال سعودي. يمثّل قطاع الطاقة والنفط 500 مليون ريال والخدمات العامة 500 مليون ريال أخرى ومائتا مليون ريال تتوزع على بقية القطاعات.
ففي قطاع النفط والغاز يتمثّل الاستخدام الرئيسي في توفير الاستطلاع المبكر للتضاريس وبناء النماذج الثلاثية الأبعاد لغرض الاستكشاف وزيادة دقة المسح الجغرافي وخفض تكاليفها وكذلك في عمليات جرد الأصول والعد الآلي للأنابيب وغيرها من المعدات، كما تستخدم في عمليات إدارة المشاريع وعلميات الصيانة وذلك بتزويد الطائرات بكاميرات تصوير مختلفة كالكاميرات الحرارية أو كاميرات الأشعة تحت الحمراء أو كاميرات متعددة الأطياف أو أجهزة استشعار تساعدها في جمع البيانات المطلوبة أو إرسال التحذيرات في حال وجود تسربات غازية وما شابه من التطبيقات.
أما في مجالات الخدمات العامة كالكهرباء فباستطاعة الطائرات بدون طيار أن تفيد في عمليات الصيانة في جميع المراحل - تقريباً - من التوليد والنقل إلى التوزيع كاستخدام الطائرات المزوّدة بالكاميرات الحرارية المدعومة بتحليل بيانات الصور الحرارية في مراقبة خطوط نقل الكهرباء.
إلا أن مما يعيق من نمو تطبيقات الطائرات بدون طيار هو غياب الأنظمة والتشريعات الخاصة بهذه التقنية في المملكة العربية السعودية، فمن جهة، الطائرات بدون طيار لها محاذير أمنية ومحاذير تخص انتهاكات الخصوصية والتي هي من مهام وزارة الداخلية وعلى الطرف الآخر هناك إدارة المجال الجوي الذي تحلق فيه هذه الطائرات وهو من اختصاص هيئة الطيران المدني هذا التداخل بين وزارة الداخلية وهيئة الطيران المدني مع عدم وضوح دور كل منهما في التشريع والمراقبة هو ما جعل نمو هذا السوق من أكبر العوائق في المملكة. ففي دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا وبعض دول الخليج كالإمارات العربية المتحدة توجد أنظمة وتشريعات واضحة وجهة اتصال واحدة فقط هي من تقوم بتأهيل وتنظيم هذا القطاع. هذه التشريعات والتنظيمات تبدأ من تنظيم الملاّك والطيارين وكذلك الطائرات واستخراج التصاريح اللازمة لكل مالك ولكل طائرة بالعدد التسلسلي لها شاملا ًنوعها ووزنها ووزن الإقلاع الأقصى وتأهيل قائدي الطائرات بما يشبه الحصول على وثيقة ملكية ورخصة قيادة للسيارات. يأتي بعد ذلك تنظيم عمليات الطيران نفسها من حيث شروط الطيران والقيود الجغرافية من حيث أخذ الإذن من مركز متخصص في إدارة عمليات الطائرات بدون طيار قبيل الإقلاع مع تحديد مكان الطيران ووقته ونوعيه المهمة لهذا الطيران وهل الطيران سيكون في مدى الرؤية البصرية أم خارجها وما إلى ذلك. إن الإسراع في تنظيم هذا القطاع سيتيح الفرص في البحث العلمي والتطوير التقني لشباب وشابات المملكة كما سيخلق لهم العديد من الفرص الوظيفية في مجال تقنيات المعلومات والهندسة بأنواعها المختلفة وكذلك فنيي الإلكترونيات والمساحة.
كل ذلك يحتم على الجهات ذات العلاقة أن تكون على قدر من المسؤولية والمبادرة لتتواكب مع تطلعات القيادة التي لا سقف لها وما مشروع «نيوم» إلا مثالاً واضحاً لذلك.
** **
- متخصص في التخطيط الإستراتيجي وتطوير الأعمال