حمّاد السالمي
كنت وما زلت؛ مع كل إجراء رادع لمخالفة الأنظمة، مرورية كانت أو خلافها. من لم تردعه أخلاقه وقيمه عن ارتكاب المخالفات في حق المجتمع والأنظمة التي تضبط حياته اليومية؛ فقوة الأنظمة والقانون هي التي توقفه عند حده.
من هذه الأنظمة التي دخلت على خط ضبط السلوك في الشارع العام؛ أنظمة المرور قديمها وجديدها، ومن جديدها (نظام ساهر) الذي دخل الخدمة في اليوم الخامس من الشهر الخامس من العام 1431هـ. أرقام الحوادث ما زالت مفجعة، والوفيات وصلت إلى (30 وفاة) في اليوم الواحد في العام الفارط 2017م، هذا خلاف الوفيات بين عشرات آلاف المصابين الذين تصل بهم حالاتهم إلى المستشفيات بسبب حوادث السيارات.
حسنًا.. هل استطعنا خفض أعداد الحوادث والوفيات والضحايا بعد مرور ثمانية أعوام من تطبيق نظام ساهر..؟ الإجابة تحتاج إلى دراسات علمية حديثة موثقة تعتمد على أرقام من سجلات رسمية وأخرى موثوقة، وحتى ذلك اليوم؛ فإن كل ما ينشر من تقارير؛ يشير إلى زيادة مضطردة في ضحايا حوادث السيارات وليس العكس..! وإلى أن (فلاشات ساهر) على الطرق الطويلة؛ لم تؤت أكلها بما هو مؤمل منها، ومن هذه الدراسات؛ دراسة حديثة حملت عنوان: ( نظام ساهر وأثره في تحسين سلوكيات قائدي المركبات وتقليل الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية )، أجراها: (كرسي الأمير خالد الفيصل للالتزام بالنظام واحترامه بجامعة الطائف )، تقول الدراسة المنشورة أخيرًا: ( إن مخالفات سير قائدي المركبات زادت بعد تطبيق نظام الرصد المروري الآلي «ساهر»). وأكد مشرف الكرسي، الأستاذ الدكتور فهد بن سعد الجهني؛ (أن نتائج تحليل الاستبانات الـ 1019 لهذه الدراسة؛ أشارت إلى أن مستوى الوعي بنظام «ساهر» لم يصل إلى الدرجة المطلوبة، وأن التعريف والتوعية به وبأهدافه قبل تطبيقه لم يكونا كافيين، مؤكداً أن عدم ثقة السائقين بنظام الرصد المروري الآلي «ساهر»؛ يعتبر النظرة السائدة بناء على مقاييس الدراسة). وأضاف: (إن عدد مخالفات السير التي حصل عليها المشاركون من سائقي المركبات بعد تطبيق «ساهر»؛ كانت أكبر من عدد المخالفات قبل تطبيقه). إذن.. ما جدوى (ساهر) في هذه الحالة..؟
تعرض إدارات المرور على مواقعها الإلكترونية سبعة جداول رئيسية تحمل عدد 80 مخالفة موجبة لجزاءات وغرامات وعقوبات مالية وغير مالية. المالية تبدأ من 150 ريالًا، وقد تصل إلى 60 ألف ريال كما في حالات التفحيط، ومن غير المالية: إيقاف المركبة والسائق.
اللافت في كل ما ورد من عقوبات وغرامات؛ أنها يمكن أن تتضاعف في حالات مثل: عدم التسديد، أو تكرار المخالفة. وهذا ما أود أن أصل إليه في هذا المقال. وهنا أبدأ بهذا السؤال: ما هو الحد الأعلى عدديًا وزمنيًا وماليًا لهذه المحفظة من الغرامات المالية في حساب المخالف..؟ وهل تظل أرقام الغرامات تتضاعف إلى مالا نهاية؛ لا ماليًا ولا زمنيًا..؟ لماذا نسمح بعدد مخالفات أكثر، ومبالغ تتضاعف أكثر، ومدد تطول على المخالفين من المستهترين وغير المبالين..؟ وما الحكمة من مضاعفة مبالغ الغرامات..؟
أمامي حالات هي جزء مما يعرف الناس ويتناقلونه في مثاقفاتهم اليومية. أعرف شخصيًّا من سدد عن ابن له مبلغ (80 ألف ريال)، وعن ابن آخر (30 ألف ريال)، وكان هذا هو ما قدر عليه من تحويشة عمره، ثم فوجيء بعد مرور ثلاث أو أربع سنوات؛ أن ابنه الأول مطالب بسداد مخالفات مرورية تصل إلى (560 ألف ريال)..! تصوروا.. هنا وقف الأب عاجزًا حتى عن الكلام. ماذا يفعل..؟
عندما ذكرت هذا لجمع من أصدقائي؛ سمعت من قال بأن هناك من هو مُطالب بمبلغ في حدود (مليون وثلاث مئة ألف ريال)..! يا إلهي. مثل هذا المخالف العبيط؛ لو أن شغله الشاغل فقط المرابطة أمام كاميرا لساهر، وتسجيل مخالفات عندها جيئة وذهابًا؛ لما وصل إلى هذا الرقم المفجع. هذا واحد من الكائنات التي تشكل خطرًا على حياة المجتمع، ويجب ردعه بوقفه وإيقاف مركبته.
أعود إلى الكلام على الحد الأعلى لعدد المخالفات وقيمها ومددها ومضاعفاتها. ليت الإدارة العامة للمرور؛ تضيف إلى تنظيماتها هذه؛ الإعلان عن حد أعلى لعدد المخالفات المرورية بخمس مخالفات فقط، ثم يتم وقف المركبة واستدعاء صاحبها للمساءلة والتحقيق وسداد الغرامات، ومثل ذلك قِيم المخالفات، بحيث لا تزيد على عشرة آلاف ريال، والمدد تحدد بسنوات أقل، بحيث يصبح المخالف أمام مطالبات حاسمة للسداد مبكرًا، أو توقف سيارته ويوقف هو أيضًا، ومن ثم إعادة النظر في مضاعفة الغرامات.
سؤال آخر للإدارة العامة للمرور: ماذا تأخذون من مستهتر بمثل هذه الشخصية (الفوضوية) مطالب بمئات آلاف الريالات..؟ وهل في الإمكان تسوية هذه الديون التي أصبحت تؤرق الآباء والأمهات، وتسبب لهم المتاعب، ومن ثم بداية مرحلة جديدة حازمة مع الحد الأدنى الذي يوقف مضاعفات المطالبات، ويحد من الاستمرار في الاستهتار وعدم المبالاة..؟