د.عبدالله مناع
مع الإعلان عن قدوم المبعوث الأممي الجديد: (المستر مارتن جريفيث) لـ (اليمن).. في أول زيارة يقوم بها.. للاتصال بطرفي النزاع: (الشرعية) والحوثيين الانقلابيين.. كانت هناك أخبار قليلة بيضاء تتسرب عما يجري في (اليمن) تحت قبضة الحوثيين.. يتصدرها خبر وصول (مركز الملك سلمان) للإغاثة إلى (صنعاء)، وما جاورها من المدن والمحافظات، وبدء توزيعه لسلال الطعام والمواد الإغاثية المختلفة على كل اليمنيين دون تفرقة!! يقابلها أخبار حوثية سوداء.. مما يخطر وما لا يخطر على البال.. كـ(خبر) حرق مخزون الغذاء العالمي، الذي استطاعت منظمات الأمم المتحدة الإغاثية.. إيصاله إلى تلك المدينة - التي كانت - باسمة على شواطئ البحر الأحمر: (الحديدة).. أو كـ(خبر): استيراد بعض قيادات المليشيات الحوثية لـ(490 طناً) من السموم والمبيدات الزراعية الخطيرة، والمحظور استخدامها عالمياً.. كما جاء في تقرير البرلماني المقرب من الحوثيين: السيد (أحمد يوسف حاشد).. الذي حمل عنوان: (استيراد السموم والموت المسرطن) لـ(اليمنيين)؟!
لكن كانت هناك إلى جانب هذه الأخبار البيضاء والسوداء.. أخبار سياسية تتعلق من قريب أو بعيد بـ (مهمة) المبعوث الأممي الجديد (المستر جريفيث).. جاء بعضها على لسان مستشار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي: الدكتور محمد العامري.. (الذي حدد ثلاثة شروط لاستئناف الحوار مع الانقلابيين الحوثيين)..؟!
الأول: الإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين والمختطفين قسراً.. من قبل الحوثيين.
الثاني: فك الحصار عن المدن والمحافظات بما فيها (تعز).. ثاني أهم مدن الشمال اليمني.
الثالث: الالتزام بوقف استهداف (المملكة) وأراضيها..!؟ وجاء بعضها الآخر من (البيت الأبيض الأمريكي) نفسه!!، الذي شكك في التزام المليشيات الحوثية بـ(عملية السلام)!! وهو أمر خطير.. عندما يأتي مثل هذا التصريح المخيب لآمال اليمنيين، الذين طحنتهم هذه (الحرب) التي أوشكت أن تطوي عامها الرابع - في شهر سبتمبر القادم!!.. على المستويين: (العسكري) بـ (تجنيد) الأطفال اليمنيين للقتال في صفوف (الحوثيين)، و(الإداري) بـ(فرض) الإتاوات على رجال الأعمال والتجار.. بل والمواطنيين اليمنيين العاديين (لتمويل) هذه الحرب.. التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل!!
* * *
ولكن عند وصول (المستر جريفيث) إلى (الرياض) للقاء الرئيس عبد ربه منصور هادي.. وليس إلى (عدن): عاصمة الشرعية المؤقتة.. حفاظاً على حياته.. المستهدفة من قبل (الحوثيين)، فـ (ذهابه) إلى (صنعاء) للقاء ممثلي المليشيات الحوثية.. كانت أخبار الصحافة والصحفيين ووكالات الأنباء تسبقه بـ(تصريحه) الذي أعلن فيه (تعهده) بالعمل الجاد لتسيير العملية السياسية.. على أساس: (المبادرة الخليجية) - المعتمدة دولياً -، و(مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل)، الذي أمضت النخب اليمنية المنتخبة عاماً بحاله.. للوصول إلى (مخرجاته)، وقرار مجلس الأمن (2216).. الذي صدر تحت الفصل السابع.. وهو ما يعني ضرورة إنفاذه ولو باستخدام (القوة) بأي درجة من درجاتها!؟ سواء بـ(الاستعانة) بقوات حفظ سلام (أممية) موسعة أو محدودة، أو الاستعانة بمراقبين أمميين للقيام بدور الاستلام والتسليم بين الطرفين.. فكان طبيعياً أن يرحب وزير خارجية الشرعية الدكتور عبدالملك المحلافي.. بهذا (التعهد) الإيجابي والمطمئن.. بينما صمتت (المليشيات الحوثية) أمام هذا (التعهد) دون أن تبدي أي تأييد أو اعتراض عليه أو على أي جزء فيه.. فقد أعجبها - فيما يبدو - عدم إشارته في ذلك (التعهد).. إلى (نقطة) الفصل السابع واستخدام القوة لـ(إنفاذ) قرار مجلس الأمن.. بينما حثت رئيسة (بعثة) الاتحاد الأوروبي في اليمن السيدة: «انطونيا كالفو بيورتا» (أطراف النزاع في اليمن على الانخراط بنوايا حسنة مع جهود المبعوث الأممي)؟.. وهي تحاول أن تغري اليمنيين بـ(القرار) الذي اتخذه الاتحاد الأورربي بتخصيص مبلغ (71 مليون يورو) إضافية هذا العام.. لاستثماره في مشاريع لصالح (النازحين) اليمنيين، وتعزيز (حقوق الإنسان)، وصمود المجتمعات الريفية اليمنية والحماية الزراعية.. على أمل أن يأتي (الاقتصاد) بما لم تأت به (السياسة)!!
* * *
وقد عاد المبعوث الأممي (المستر جريفيث).. إلى مقر عمله في «نيويورك»، بعد جولته الاستطلاعية الأولى.. واتصاله بـ(طرفي النزاع)، وتسليمه (تعهده) للطرفين.. على أمل أن يتلقى خلال الأسابيع القليلة القادمة موافقة المليشيات الحوثية على (المرجعيات) الثلاث، التي أشار إليها (التعهد) وهي: المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل، وقرار مجلس الأمن (2216).. حتى يواصل مهمته في إحلال السلام في ربوع اليمن، والتي لن تكفيها زيارة أو زيارتين لليمن.. بل ربما احتاج الأمر لـ(إقامته الدائمة) في اليمن إلى حين.. إنجاز مهمته: في عودة (المليشيات) إلى «صعدا»، وعودة (الشرعية).. إلى (صنعاء) كما فعل المبعوث الأممي الأول في هذا (النزاع) السفير جمال بن عمر الذي أقام.. إقامة شبه دائمة في اليمن مع انطلاق المبادرة الخليجية في نوفمبر من عام 2011م، وبذل في سبيل إنجاحها جهوداً خارقة لا تنسى.. كان على رأسها إحضار أعضاء مجلس الأمن بكامل هيئته إلى اليمن.. لعقد جلسة استثنائية في «صنعاء» هي الأولى من نوعها.. في حياته وحياة (اليمن).. لـ(حث) القوى السياسية الفاعلة في (اليمن) للانخراط في أعمال مؤتمر الحوار اليمني الشامل ولجنة التسع.. وصولاً إلى (مخرجاته)، التي أصبحت إحدى (المرجعيات) الثلاث لحل النزاع اليمني في مهمة المبعوث الأممي اليمني الجديد: (المستر مارتن جريفيث)..
على أن هذا المبعوث الأممي الجديد لـ(اليمن): المستر مارتن جريفيث).. خبير المفاوضات والنزاعات السياسية الكبرى ذات الطبيعية الإنسانية، ومدير المعهد الدبلوماسي الأوروبي في عاصمة الاتحاد: «بروكسيل»، والذي أحسن الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريس» اختياره دينياً.. لـ(مسيحيته)، التي تنفي عنه أي شبهة انحياز لشيعية أو سلفية، والذي.. يعلم من خلال خبراته المتراكمة: أن هناك نزاعاً طويلاً وقديماً بين (الحوثيين) في «صعدا».. والحكومة اليمنية المركزية في «صنعاء» أيام الرئيس علي عبدالله صالح.. طوال سنوات التسعينيات من القرن الماضي.. أدت إلى ست مواجهات عسكرية بينهما، لم يظفر أحد من الطرفين بنتائجها لصالحه.. إلى أن تغيرت وتبدلت الظروف في عام 2014م، ليصبح (الخصمان)..حليفين، ثم ليغدر (الحوثيون) به في لحظة محاولته الفكاك منهم.. ليغتالوه بتلك الصورة الدموية التي لا تنسى..؟!
ولذلك.. فإن (الشكوك).. التي عبر عنها البيت الأبيض الأمريكي، وخشيته من (عدم التزام المليشيات الحوثية بـ»عملية» السلام).. تبقى هي الأرجح والأوضح في هذا النزاع، فـ(المليشيات الحوثية).. اتفاقاً مع ماضيها، وأحلامها الجديدة وارتباطها الذي يزداد عمقاً مع «إيران».. لا تريد نهاية لهذا (النزاع).. لهذه (الحرب)!! بل تريد أن يبقى الحال على ما هو عليه حتى تيأس (الشرعية) وتحالفها (العربي) الذي يدعمها.. وتسلم بـ(مطالب) الحوثيين في اغتصاب اليمن وحكمه..؟!
وهو ما سيجعل المبعوث الأممي الجديد (المستر جريفيث).. يلجأ مضطراً في المقابل لما يتيحه له (الفصل السابع): سواء بـ(استقدام) مراقبين أممين أو قوات حفظ سلام أممية.. توقف القتال، وترسي قواعد السلام، وتفتح الأبواب لإقامة الدولة اليمنية الاتحادية.. التي دعت إليها مخرجات الحوار الوطني..!! لأنه لا بديل.. لـ(بوابة) حل هذا النزاع بإنفاذ قرار مجلس الأمن 2216.. إلا حرب طويلة شاملة تقضي على البقية الباقية من اليمن!!
فهل يعقل (الحوثيون) في اللحظات الأخيرة.. خطورة ما يفعلون..؟!