د.ثريا العريض
هي ليالٍ حفية بالشعر.. ليالٍ مغربية النكهة بعيداً عن شواطئ ديلمون وقريبة من ظلال جبال أطلس.. وأظل في وطني العربي الكبير.
أنا في مدينة فاس في مهرجان فاس الدولي الثامن للإبداع الشعري الذي يكرمني بإطلاق اسمي عليه هذا العام. والشكر للسيدة فاطمة بو هراكة, ودارة شعر التي اختارتني, ولوزارة الثقافة والإعلام السعودية, وعلى رأسها معالي الوزير الدكتور عواد العواد, التي رحبت ورعت, وللشاعر المميز معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة سفير المملكة في المغرب ووزير الإعلام والثقافة سابقاً, الذي سيحضر التكريم والأمسيات مسؤولاً وشاعراً.
هي ليالٍ حفية بالشعر..
ماذا أقول لكم عن الشعر؟.. ليس أي شعر، بل الشعر كما أعايشه. لغة صمت الحوار مع الآخر والإصغاء للذات تعبر عن مشاعرها.
الشعر حوار مع الذات خارج عضويتها المكتسبة في لغة مجتمع بعينه. حالة تجرد كامل من فرضيات المكان والزمان والغوص في أعماق الشعور الآني والمتراكم على مدى العصور السرمدية.
كنت أعيش الشعر منذ طفولتي دون أن أسمع صخب المتجادلين حول ماهية الشعر وشروطه. وحين تعلمت القراءة لم أعبأ بجدلهم لأحدد هوية ما يملي علي هذا الذي قيل لي لاحقاً أنه شعر.
تلك القلة من القصائد التي نشرتها لقيت عشرات القراءات من متذوقين كبار. ولن أستطيع أن أحدثكم عن قصائدي كما تحدث عنها النقاد المدققون أو المتلقون المستمتعون..
لم أعرف الشعر مهارة تنميق وتصفيف لرسم لوحات مكتملة بعمليات تجميل تتوسل لمتلق ما أن يكافئها بالتصفيق. عرفت الشعر انعكاساً لحالات شحن بانفعال حاشد يغصبني أن أترك كل ما في يدي وذهني وأستسلم لولادة مستعجلة لقصيدة مكتملة.
أنا وكل قصيدة صنوان في لحظة التقاء لا أختارها, تصر أن تريني ما يدور في أعماقي.. كل واحدة منها ذوب كبدي تتدفق مثل بركان يتفجر فجأة ليخرج ما في الأعماق من احتدام.
بدأت الكتابة والرسم معاً في مرحلة مبكرة جداً. وسجلت أوراقي كلاماً أدركت لاحقاً أنه أكبر من عمري الغض كثيراً, وكأن أخرى كنتها في حيوات سابقة تتلبسني لتذكّرني بوجودها داخلي, أزلية خالدة منذ بحث جلجاميش عن سر الخلود في دلمون. وتنفلت أحياناً فتعبر المسافات والأزمنة إلى حصاد موسم قادم ترسمه بكل تفاصيله وحذافير أحزانه وأشجانه وأفراحه وأتراحه. لا أفهم لماذا زخم تلك التفاصيل بالذات إلا بعد أن تتحقق بعد سنوات إن لم تكن عقوداً. وحين تتحقق يذهلني ما أرى. حالات عشتها مرتين؛ قبل حدوثها وبعده.. أبكاني بعضها, وأبهجني بعضها وأخافني ما يتحقق منها.
مئات القصائد لم أنشر إلا قلة منها ومازال معظمها في أدراجي. ترسم انعكاساتي في مراياها الزئبقية طفلة اختطفتها قوى سرابية فتاهت بين الأزمنة والأمكنة تستقرئ الحدس وتتذكر فقط أنها تبحث عن وطن موعود يمنحها الحنان والتقبل والحب مثل صدر أم حنون. وصبية تجد أن كل ذلك محظور في عالم لا تصنف النساء فيه إلا إناثا كفاكهة حسية مغوية لا شعور ولا فكر ولا أحلام. وشابة تمردت على حصار دور المفعول بها والمضافة إليه دون اسم يعرفها خاص بها.
الحمد لله نعايش الآن تحول الزمن والمكان.. وبدأنا نخرج من التصنيف القاتل, وكتم التعبير.
سأتلو عليهم, ثم عليكم, بعضها للتذكير أنه زمن الاحتفاء والاعتراف بإنسانية النساء.