د. خيرية السقاف
حين يرسل الله من المزون غيثه لا زخات قليلة, ولا سحابات عابرة يجعلها
سقيا لكل ذرة يباب تحتها فتندى..
وكل قاع مجدب فيُملأ, وكل لسان عطش فيروى,
وكل نبت جاف فيحيا, وكل قاحل فينتشي, وكل كالح فيضيء..
وكل لاهث فيهدأ.., وكل ثائر فيخنع..
كلهم, التراب, والشجر, وقاع الأرض, ولسان الدابة, ومجرى النهر, وجوف البشر, وثورة الريح, وهيجان الغبار, وسطوح كل الذي في الأرض..
فغيث الله لكونه, عطاء غير محدود, بلا مقابل, وبلا منّة!!..
ينزل رحمة بحاجة, ويعمُّ رأفةً بعدم !!..
ينساب بتلقائية, يمتد للجميع, لا يميز من يكون تحت هاطله, وما يكون,
لا يعبأ بأسفلِ فقرٍ, ولا بمنافِ غِنى..
عطاء الله,
منحٌ موهوبة, متدفقة, متجلية, مضمونة, مدهشة, ومنتَظَرة..
عطاء الله,
السرمدي بلا معادل مادي كالذي يتقايض به البشر!!..
حين ينزل, فالأرض احتفاء بما فوقها, وفي باطنها,
وكل البيوت تشرع أبوابها، يتقافز صغار نازليها, وكبارها تحت زخاته, يتبللون بمائه,
يرفعون أكفهم لسمائه, يغسلون نفوسهم مع أنظارهم,
جوارهم الشجر يرهج منعماً بالرواء,
والثرى يرطب مكللاً بالصفاء,
والسطوح تلمع مشرقة في بهاء,
والذين يقرأون رسائل السماء في لحظات الغيث وحدهم المتفكرون بامتنان, ليسوا كالذين يغلقون حجراتهم على هدير تصنيع البشر, لا يعبأون برسائل الحكمة في ماء السماء !!..
المطر يسأل:
من يعطي بل مقابل؟!
من يمد يده, يبذل جهده, يتفانى في بذله بلا منّة, ولا ترديد كغيثه يأتي من هناك,
ينهمر متدفقاً ؟!..
في رسالة السماء بمائها تتجلَّى أريحية الفطرة, ووفاء الطبيعة, بمِنح الله فيها دون حدود..