د. محمد عبدالله العوين
استطاعت جماعة «الإخوان المسلمون» استثمار أحداث التطرف السابقة التي أرادت تعطيل نهضة المجتمع السعودي، واستغلوا طبيعة الشعب المتدينة ونظام الحياة المحافظة، ونجح الإخوان في استغلال ذلك كله، وواتهم الفرصة السانحة بعد جريمة جهيمان في الحرم مطلع 1400هـ فقد حدث بعدها تراجع كبير في مسيرة الانفتاح، وتم إيقاف كثير من مظاهر الحياة المدنية؛ كالسينما والمسرح والحفلات الغنائية وبث الأغاني النسائية في التلفزيون ونشر أية صورة لامرأة في الصحف؛ سياسية أو أدبية أو فنية، والحد من نشر كتب ومجلات كثيرة تخالف التوجهات الجديدة، ونحو ذلك.
وبادر الإخوان إلى استغلال المساحة الواسعة التي أتيحت لهم؛ فكانوا الأكثر ذكاء والأوفر نشاطاً والأدق تخطيطاً من غيرهم في ملء الفراغ الفكري؛ فلم يمض طويل وقت إلا وانتشرت محلات نسخ أشرطة الكاسيت، فكانت المحاضرات تنسخ بعشرات الآلاف لخطباء إخوانيين، وتكاثرت في المدن والقرى ومحطات البنزين على الطرق الطويلة.
وإلى ذلك ازداد توزيع مجلة «المجتمع» التي كانت تصدر من «جمعية الإصلاح» الكويتية، ووجدت لها جمهوراً عريضاً في بلادنا ينتظر صدور عددها الجديد بلهفة كل أسبوع.
وما كانت تنهض به الجماعة سابقاً قبل حادثة الحرم على استحياء من أنشطة في الرحلات والمخيمات والعطل الصيفية صار أمراً معتاداً بعد الحادثة، فكان من المألوف أن ترى مجموعات من الشبان المستقطبين إلى فكر الجماعة ذاهبين في رحلات خلوية أو آيبين منها دون أن يتساءل أحد عن طبيعة ما يتلقاه أولئك الشبان من أفكار أو ما يوجهون إليه من مواقف سياسية.
ورويداً ابتدأ تأثير الإخوان في المجتمع وأصبح للجيل الجديد الذي اجتهد قادة الجماعة من المصريين المهجرين وغيرهم في رعايته والعناية به وتوجيهه الوجهة التي تخدم فكر الجماعة وتؤسس لها في المجتمع السعودي؛ فنشأ بعد مطلع 1400هـ جيل جديد مندفع اندفاعاً شديداً إلى رؤية ما تلقاه على الأرض، وازداد المتأثرون بأفكار الإخوان وغداً كأن النسبة الكبرى من المجتمع في العشرين سنة بعد حادثة الحرم مقتنعة أو راضية على الأقل عمّا أسمته بـ«الصحوة» وهو تعبير رمزي عن انتقال المجتمع من غفلة إلى نقيضها أو من تفريط إلى تمسك، أو من ضلال إلى رشد، أو من غي إلى هدى.
وصحب تلك الموجة الصحوية الطاغية انتشار هائل لكتب سيد ومحمد قطب وأبي الأعلى المودودي وفتحي يكن وعصام العطار ويوسف العظم وكامل الشريف ومصطفى السباعي وغيرهم.
وهنا يتبين كم كانت المراحل السابقة التي مرّ بها المجتمع السعودي إضافة إلى طبيعته المتدينة ثم ما أحدثته فتنة الحرم من تهيئة لأن تفيد منها جماعة الإخوان بعد عام 1400هـ وأن تستثمرها بذكاء إلى أن تخرج من فكرها إرهابيون كفّروا وفجّروا وعلى رأسهم مؤسس تنظيم القاعدة «أسامة بن لادن».
لقد كانت مرحلة تراجع وكبوة ولّت وانقرضت وعاد المجتمع السعودي إلى طبيعته المتسامحة المنفتحة محافظاً على قيمه الدينية ومبتعداً في الوقت نفسه عن الانسياق خلف تنظيم حزبي سياسي مؤدلج ضيق عليه آفاق الحياة.