فهد بن جليد
برأيي أنَّ تجربة توطين المصارف والبنوك في المملكة، والمراحل التي مرَّت بها والصراعات التي واجهتها, هي الخطوة النموذجية الأهم في قطاعات التوطين التي مرَّ بها مُجتمعنا، وما يجب أن نستفيد منه في خطوات التوطين اللاحقة التي تقودها -بتفاؤل وثقة- وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، من أجل مواصلة نجاحات مماثلة.
هذا النوع من توطين الوظائف استهدف عصب الحياة، وشكَّل تحدياً كبيراً للاقتصاد السعودي في حينه، وكانت أصوات التشكيِّك مُرتفعة حتى من داخل مجالس إدارات بعض البنوك حول قدرة الشباب السعودي على خوض غمار العمل، ومدى نجاح التجربة وأثرها على الاقتصاد، نحن نتعامل مع أرقام وأموال، ومصالح عملاء، وأسهم وقروض، وبطاقات ائتمانية، نحن نتحدث عن (فترتي دوام).. إلخ من المخاوف والعقبات، التي من أهمها مسألة تعوُّد العميل على ابتسامه وأريحية وترحاب وخصوصية الخدمة من (الموظف الأجنبي)، وأنَّ البنوك قد لا تستطيع توفير مثل هذه الميزة لعملائها مع الموظفين المواطنين، لناحيتي (الترحاب والخصوصية)، ولكنَّ البنوك أدركت الأمر بجدية الخطوة من (ساما) مؤسسة النقد, لذا استقطبت الكفاءات المُميزة، وعمِلت على تدريبهم وتطويرهم بشكل جيد، وفي النهاية نجح السعوديون -بحمد الله وتوفيقه- في المصارف والبنوك بشكل نموذجي ورائع، ووفرت البنوك لنا عشرات الآلاف من الوظائف.
محورا (الترحاب والخصوصية) هما أهم ما يرتكز عليه (مثبطو) توطين الوظائف في معظم القطاعات التي تمت حتى الآن، فضلاً عن القدرة والتدريب أي (الكفاءة)، والأخيرة يمكن تجاوزها بتراكم الخبرة والمعرفة مع التأهيل المسبق، بينما قد نلوم ضعف ثقافة الشاب السعودي للعمل الجماهيري، وكيف يمكن أن يُسوِّق نفسه وعمله بطريقة احترافية جاذبة -هناك بعض الجنسيات ميزتها الوحيدة فقط القدرة على التسويق والجذب، وإشعار العميل بالأهمية- لذا تجدهم يسيطرون على الأعمال والأسواق، وينجحون دائماً بالفوز بأعلى الأجور وأرفع المناصب، ما الذي يمنع أن يتعلم شبابنا بعض تلك الفنون التسويقية ويتنازل بعضهم -بما يحفظ لهم مكانتهم وكرامتهم- عن تلك الأبراج العاجية التي مازالوا يسكنونها.
سأضرب هنا مثالاً، عدد من الأجانب الذين التقيتهم للتعليق على الفرق في التعامل والخدمات لدى بعض القطاعات التي تم توطينها بالكامل، اتفقوا على أنَّ من حق الشباب السعودي شغل الفُرص الوظيفية في بلده، ولكن مُعظمهم يشعرونك بأنَّهم أصحاب فضل في مُساعدتك، وليسوا مقدمي خدمة، لا يهمني كثيراً إذا ما كان هذا الرأي (مُنحازاً) بقدر أهميته في أن يُحفِّز الوزارة والشركات معاً، للعمل على تطوير (فن العلاقات ومواجهة الجمهور والذكاء في التسويق) بالاعتماد على الترحاب والبشاشة لدى شبابنا، من الصعب تغيير الثقافة بسرعة، ولكن الأسهل أن نحاول معاً الإجابة عن العنوان أعلاه.
وعلى دروب الخير نلتقي.