إبراهيم عبدالله العمار
خذ رجلاً من قارة آسيا. ثم خذ أوروبياً. ضع أمامهم شيئاً.. أي شيء. لا تتفاجأ لو رأى كل منهما هذا الشيء بشكل مختلف!
بلا مبالغة.. فإن الآسيوي والغربي يريان العالم مختلفاً كما يفيد العالِم ريتشارد نيسبت في أبحاثه الشائقة عن هذا الموضوع. مثل أسلافهم من قدماء اليونانيين فإن الغربيين يرون العالم مكوناً من أجسام، أشياء مستقلة عن بعضها لكل منها خصائصه المعينة. الآسيوي يرى العالم مكوناً من جوهر.. من مواد. الغربي يرى تمثالاً مجرداً، الآسيوي يرى رخاماً. يبصر الغربي جداراً بينما ينظر الآسيوي إلى أسمنت. أدلة كثيرة تُظهر أن الغربي له نظرية تحليلية تركز على الأجسام الملحوظة وصفاتها، بينما الآسيوي له نظرة شمولية تبصر مواد متصلة خلال العالم، ويرى علاقات بين الأشياء في الطبيعة. هذه النظرة الفاصلة للأشياء تفسر التباين بين نظرة الغربي والآسيوي كنظرتهم للشركة.
سأل باحثون مجموعات من المتطوعين (مدراء في شركات) عن تعريف لمفهوم «شركة»، فهل هي: 1) نظام صُمِّم لتنفيذ مهام معينة بكفاءة، يعيَّن فيها الناس لأداء تلك المهام بمساعدة الآلات ويكافَأون مادياً مقابل ذلك؟
2) أم هي مجموعة من الناس يعملون معاً، لديهم علاقات مع بعضهم في تلك المنظمة، وعمل المنظمة يعتمد على تلك العلاقات؟
ثلاثة أرباع الأمريكان اختاروا التعريف الأول، بينما اختار الآسيويون التعريف الثاني. إن الآسيوي ينظر للشركة أنها كائن حي، وتُشكّل العلاقات بين الناس فيه جزءاً أساسياً من تركيبه. لهذا تَكثر في آسيا الأديان التي تحوي مثل هذه المبادئ، مثل دين الطاوية في الصين والشينتو في اليابان، فهى ترى حيوية المادة، ترى أن هنالك أرواح في الحيوانات والنباتات وحتى بعض الجمادات التي صنعتها يد الإنسان. وهذا يجعل الإعلانات التي تُبرِز الطبيعة ناجحة في آسيا أكثر من الغرب، وهذا ما تفاجأت به شركة نيسان لما أطلقت حملة دعائية لجناحها الفاخر انفنيتي في أمريكا، تكوّنت الحملة من صور من الطبيعة، وفشلت الحملة!
هذا رغم أن وكالات الإعلان التي تستعين بها الشركات تكون دارسة لجمهور الناس وكل تفاصيلهم كالعمر والجنس والمستوى المادي وحتى متى يتواجدون في البيت عادة ليشاهدوا الدعايات إلخ، لكن فاتتهم تفاصيل دقيقة كهذه تُظهِر مدى تعقيد العقل البشري وكيف نكتشف اختلافات فيه بين الناس لا نتوقعها.