د. فوزية البكر
أثارت قضية ما سمي بـ (معنفة أبها) التي انتشرت الأسبوع الماضي الجميع صغارا وكبارا وساهم (الأخ الأكبر) تويتر في نشر المقطع الذي اختلف الكثيرون عليه بين النفي لصحة المقطع وبين المنادي بإنقاذ المرأة لكن المؤكد أن صوت نواح المراة الموجود في المقطع (يفتت) أكبر القلوب ويعيدنا للتفكير بواقعية في مفاهيم الإيذاء وإمكانها على النساء في أي مكان وأي زمان ومهما كانت طبقتهن أو تعليمهن خاصة حين يكون المجتمع في حالة مخاض حضارية كما هي الحال لدينا اليوم فالنساء تغيرن بفعل التعليم والتنمية وتمكين المرحلة وأصبحت قدرتهن على التعبير عن رغباتهن وأرائهن أكبر مما قد لا يتوافق بالضرورة مع توقعات بعض الرجال الذين لازال بعضهم ينظر بمعيار (أقل) للمرأة أو أنهم لا يتوقعون (أن تكون) هناك توقعات ومطالب مختلفة لدى النساء في حياتهن مما يدفع ببعض (الحالات الشاذة) إلى اعتماد العنف المباشر كما هي الحال مع معنفة أبها إذا كانت القصة حقيقية.
السؤال الذي سألته لنفسي وناقشته مع من حولي هو: هل يحق لأحد أن يتدخل بهذا الشكل العام (جدا) والذي انتهى بنشر اسم الزوج ومقابلة معه ومهاتفات مع الأقارب في وسط اجتماعي محافظ جدا علي خصوصيته ويعتبر أن شيئا من هذا يعيب ليس الزوج المعنف نفسه فقط وإنما كامل القبيلة؟ وما الذي سيحصل للمرأة نفسها؟ ما هي خياراتها الأخرى إذا تركت بيت الزوجية الآن؟ ليس أمامها إلا الزواج من معدد فهي مطلقة . هل نحن في بيئة تتيح الخيارات وتدعم المطلقة لتكمل تعليمها ثم تعثر على عمل وتستقل بحياتها حتى تجد زوجا كفؤا كما في باقي المجتمعات الطبيعية؟ لا نحن في بيئة متحيزة جدا جدا ضد المرأة المطلقة مهما كانت شابة ومتحيزة جدا ضد المرأة التي تجاوزت الثلاثين ولم تتزوج ولا تبقي لهن إلا خيارات بائسة في زواج من معدد بغية الإنجاب فهل هذا ما نسعى إليه في لجان الصلح الأسري؟
الزواج مؤسسة معقدة وتحتاج إلى تدريب طويل لقبول الذات والآخر ومهما بدا تصرف الزوج شاذا إلا أننا نحتاج إلى الجلوس مع الاثنين لمعرفة مدى تجذر هذا السلوك وسيتضح بالضرورة في طبيعة الشخصيتين وفي العلاقة بينهما وهو ما سيستحيل الوصول إليه من خلال محاضر الإمارة والشرطة مما يعني أننا نحتاج إلى مؤسسات متخصصة وبالذات في الإصلاح الزوجي والأسري وإذا كان صوت هذه المرأة قد سمع لسبب ما فهناك آلاف الأصوات الواقعة لنساء تحت التعنيف والتي تكتم كل ليلة دون أن ندري عنها.
الإيذاء حقيقية مشهودة شئنا أم أبينا وهي في بعض المجتمعات المحلية في بلادنا تكاد تكون مقبولة ومتوقعة وهذا يشجع الرجال على ممارستها لقبولها اجتماعيا من الطرفين: الرجل والمرأة المعنفة التي تتوقع الإيذاء لذا فالمؤسسات المنشودة يجب أن تضم التعليم أولا الذي يحتاج إلى إعادة صياغة صورة المرأة في مناهجه حتى يعيد صياغتها في عيون الذكور والإناث على حد سواء كما يحتاج إلى إعادة صياغة صورة الذكر في عيون إلا التي لا تحتاج إلى رجل (عضلات) لحمايتها كما كنا في الغابة بل هي تحتاج إلى عقله وحكمته لإدارة مشكلات الحياة الحاضرة، كما نحتاج المسجد الذي يرتاده هذا الذكر خمس مرات في اليوم ليغير من خطبه التقليدية ويصبح أكثر ارتباطا بحياتنا اليومية ويذكر الرجال بما كان سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه يفعله مع نسائه بدءا بخديجة التي لم يضارها بامراة مرورا بالدور الخالد للسيدة عائشة في حياتنا جميعا كمسلمين بفعل تمكين سيد الخلق لها.
نحتاج إلى لجان إصلاح (مهنية) درست إساسيات الإرشاد الزواجي والأسري وليس متطوعين فقط (وهم مهمون بالمناسبة ربما أكثر من الفرق الرسمية لفهمهم لثقافة المجتمعات المحلية التي يعيشون فيها) لكن المهنيين يتمكنون من تقديم المساعدات الإرشادية بشكل ممنهج.
قضية العنف ضد المرأة ثقافية في جذورها ويجب أن نتوقع الكثير من أشكال العنف على المرأة مع فرص التمكين الكبيرة التي يشهدها عهد الملك سلمان مما سيرفع من قدرة بعض النساء على المواجهة وطلب المزيد وهو ما سيدخلهن أيضا في مواجهات قد تعرضهن لبعض أشكال العنف فمن يستحق أن نقدم له العون فعلا؟ هل هي المرأة .؟ هل هو الرجل؟
كلاهما بحاجة للدعم والمساندة والمشورة فالرجل ليس حيوانا منطلقا من عقاله بالطبيعة، نحن من ربيناه وغذيناه بمفاهيم القبول للعنف ضد شريكته لكن هذه الشريكة أيضا لا تستطيع بناء أسرة بدونه لذا فكلاهما بحاجة إلى الدعم والمساندة لكن بعيدا وبعيدا عن تويتر.
لكن ربما نتوقع أن احتمالية حدوثه قد تكون أقوى (رغم عدم وجود إحصاءات واضحة في هذا المجال) في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى وفي الأرياف وفي القرى الصغيرة.