ياسر صالح البهيجان
ظل مصطلح الليبرالية من أكثر المصطلحات الحديثة جدلاً ليس على مستوى الثقافة العربية فحسب، وإنما حتى في مهادها الغربي، إذ نحن إزاء تشظي للمفهوم بحسب زاوية النظر إليه سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ودينيًا، إلا أن ثمة قواسم رئيسة مشتركة تعلي من شأن الفرد على حساب الجماعة، أي بمعنى آخر رغبات الفرد أمام العرف المجتمعي والعادات والتقاليد المتفق عليها اجتماعيًا.
في المقابل يبرز مصطلح الجمهورية بوصفه مدافعًا عن حق الجماعة/ الجمهور وحاميًا لأعرافها من الاستبداد الفردي تحت ذريعة الحرية التي تعني أن تفعل ما لا يضير غيرك، إذ تسعى إلى إسقاط هذه المقولة وتستبدلها بأن تفعل ما لا يضير قيم الجماعة وما تعارفت عليه، وهو ما يسميه معارضو الليبرالية بالحرية المنضبطة بضوابط المجتمع وليس بضوابط الفرد.
هل نحن أمام حريات، ولكل مجتمع حريته التي تناسبه ولا تناسب غيره تبعًا لقيمه وأعرافه؟
الحق أن الإجابة عن هذا التساؤل غاية في التعقيد، إذ إن الإيمان بتعدد الحريات قد يفسح المجال أمام القوى المجتمعية القمعية لممارسة تسلطها ضد الحرية بدافع أنها لا تناسب مجتمعهم، كما أن نفي تعددية الحريات قد يمس قيم المجتمعات ويُنتج حرية منفلتة ولا أخلاقية أحيانًا، لذا يمكننا الاطمئنان لقول ثالث يرى بأن الحرية ليست حزمة كاملة، فثمة حريات منوطة بالفرد كحرية التصرف بالمال وتكوين الأسرة والاعتقاد الديني وحريات أخرى مقيدة بموقف المجتمع شريطة ألا تتعارض مع الأولى وأن تكفل بحق الأعراف النبيلة وتتنزه عن التجبر والإقصاء والعنف.
الثقافة العربية لا تزال عاجزة عن تفهم إشكالات المفهومين الجمهوري والليبرالي على حد سواء، لذا لا تزال التجارب الديمقراطية في الوطن العربي عرجاء ولا تخلو من لي أعناق المبادئ الديمقراطية مع استشراء للفساد بشقيه المالي والإداري، واستبداد بعض الأنظمة السياسية واعتقادها بأن لها الحق في تهجير وقمع وقتل شعوبها (سوريا/ إيران)، وما ذاك إلا نتيجة فقر فكري واستغلال فج للمفهوم الديمقراطي بشقيه الجمهوري والليبرالي، الجماعي والفردي.
هل ثمة مخرج حقيقي من الإشكال؟
أعتقد بأن وعي الشعوب بالمصطلحين الجمهوري والليبرالي ضرورة تاريخية إن كانت الديمقراطية الحقة مطلباً راهناً، فهل كانت الدول الغربية ستتطور لو لم تكن شعوبها واعية؟، أجزم بأن الوعي الشعبي في العالم العربي يمثِّل بوصلة الطريق الصواب لإرساء العدل والخير والصلاح، ودمتم بخير.