فيصل أكرم
إلى أصدقاء المسافات الطويلة، وقد انتهت بهم في محطاتهم الأخيرة، في حين ارتدّت عليَّ وحدي عائدةً بي إلى نقطة البحث عنهم.
* * *
يتقابلونَ..
كما تقابلَ أغربُ الأيامِ
باليومِ الغريبِ، وهاجروا
رفعوا حقائبهم إلى الوعد الأخيرِ
ورتّبوا أجسادهم فوقَ المقاعدِ
لم يكونوا في انتظارٍ..
لم يكونوا في اختبارٍ..
فاختيارُ الدربِ كان سبيلَهم
منذ الوجودِ إلى العدمْ
حتى اختفاق القلب منكسراً
ويتبعهُ القلمْ
يبقيه رهناً عند بقعةِ برزخٍ
حيثُ الهناكَ... يظلُّ في أقصاكَ
حيثُ..
كأنَّ كلَّ مسائل الغرباءِ أوراقٌ تغذّتْ
من سطور الصابرينَ الأوفياءِ
ومن دموع المذنبين الأبرياءْ
يأتيكَ أوّلهم كضوءٍ، في مطامحه انطفاءْ
تبكيهِ أنتَ؟ هو الكلامُ، إذا الكلامُ أتى عليكَ حلالُهُ
متجهّماً
في حين يغمركَ الظلامُ بحُرمةٍ للابتسامةِ
والسلامِ..
وهل لديكَ حقيقة الصرخاتِ إذْ تأتي إليكَ؟
فلا تعد طفلاً لديها..
لا تعد يوماً كمحتاجٍ إليها..
صارت الأحداثُ ذاكرةً لأسماءٍ ستحملها
على كتفيكَ.. تحملها
ويحملكَ الزمانُ إلى رقابٍ تنحني
من فوق أكتاف الزمانْ
في قبلة الأيام، أنت ستنحني
وسينحني الظهرُ الذي استندتْ عليه مسافةٌ
كانت وراءَ الحلمِ..
هذا الحلمُ حلمُكَ، في الشوارع
والذين سيطمحون إلى بلاطٍ لا يجودُ بهِ الرصيفْ
سيفتشون عن المقامات الرفيعةِ
في نتوءاتِ الرغيفْ
وسيرجعونَ إليكَ، حين تكونُ في كلّ الأماكنِ طلسماً
فكّتْ رموزَ العائدينَ إليهِ رائحةُ الخريفْ
فلمن تكونْ؟
وبمن سيمتدُّ الجنونُ، إلى مصبّاتِ العيونِ، إلى مقصّاتِ الجفونِ،
إلى نهاياتِ الجنونِ؛ لمن سيرتدُّ الجنونْ؟
هي ذي القواربُ ضائعاتٌ في انقسامات المياهِ،
وها هي الكلماتُ ضاعتْ في ارتعاشات الشفاهِ،
ولم يعد لكَ من ملامحكَ التي كُتبتْ على المرآةِ
ما يحتاج منكَ قراءةً..
لا تقتربْ مما تقولْ
لا ترتكب نصفَ الجريمةِ، ثم تعفو عن جرائمَ كاملاتٍ
سوف تتقنها الطبولْ.
لا ترتسمْ صوراً على نصف الطلائعِ، في بشائرها المدانةِ
بالرّضا..
عن زيف أحذيةٍ بلا أقدامها، طلعتْ على كلّ السلالمِ
بعد أن يئستْ خُطاكَ من النزولْ.
فهُم الذين أردتَ أن تبقى طويلاً بينهم،
ذهبوا كجمرٍ.. ثم باتوا كالرّمادِ بحِضنِ مبخرةٍ
تلوّحُ
للسحابةِ
أن تكفَّ عن الهطولْ
وكأنهم كلُّ الضحايا، كنتَ أنت، ولم تكنْ
من بينهم، في كلّ أنحاء المرايا
كلّهم.. في غفلةٍ من فُرقةٍ يتصافحونْ
فبمن ستمتدُّ التحاقاً بالجنونِ، إذا الجنونُ هو السبيلُ
لكي تكونْ؟
ولمن سيرتدُّ الذي ناداكَ في عظةٍ: تمنَّ الموتَ إن فكّرتَ يوماً
أنَّ مثلكَ.. ليس إلاّ أن يهونَ، إذا يكونْ
فلمن تكونُ، إذا تردد فيكَ بعضٌ من جنونٍ، لم يُمتكَ
لمن تكونُ؟ إذا يهونُ عليكَ أن يرتدَّ للوهمِ الجنونْ.؟!
ــــــــــــــــــــــــ
* (صياغة عكسية) لقصيدة (لمن سيمتدُّ الجنون؟) المنشورة عام 2002ضمن ديوان (آتٍ من الوادي).. قبل أن تذهب الأودية بمن أتوا أصلاً إليها.