د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
وقف المثقفون وسواهم تبجيلا للقرار الملكي الكريم بإنشاء الهيئة العامة للثقافة منذ قرابة العامين؛ ورددّنا ومازلنا بأن الثقافة معرفة ومنجز؛ وأن دور الإعلام بثها عبر وسائطه، وإنْ هيمنَ الإعلام على مشارب الثقافة وحدودها ظهرتْ دون متن! والتفتنا لذلك المكوِّن الجديد للفكر بأن يقدم لنا الامتيازات من خلال امتلاك التصور الأكمل لمفهوم الثقافة وبناء استراتيجية مشروع ثقافي جديد يُحاك نسيجه في مسارات تصحيحية وأخرى تطويرية؛ واستجلاء الضوء في الفنون البصرية [السينما والمسرح والموسيقى] فما زالت الثقافة المكتوبة هي متنفسنا الأكمل؟!! وذلكم من عاداتنا التي توارثناها!! غير أن الحقيقة أن ترسيخ منهجية الثقافة يحتاج إلى استراتيجية تعتمد على (المثاقفة) وليس (التثقيف) وقد أثبت الواقع التطبيقي بأن التثقيف المعتمد على المرسل والمستقبل لا يمكن أن يحدث فرقا في ذهنية الأفراد مالم يقترن بدوائر النقل المتبادل؛ وأن يلامس حاجة الطرفين، و مازلنا ننتظر حضور الهيئة الوليدة كما نرقب أن تقترب سفنها من سواحل المثاقفة؛ فلا يمكن أن يحقق المثقفون نوافذ من الوعي والتأثير بمعزل عن جهاز تشريعي وتنظيمي يدعم ذلك الحراك؛ والواقع أن الثقافة اليوم تبثها منابع شتى حتى أضحى المنجز الثقافي وكأنه أمر ملح يُؤدى وينتهي أمره!! وإذا ما سلّمنا أن الخطاب الثقافي منتج رئيس لكل تجاذبات حياة المجتمعات فإن لذلك طقوس ودروب منها؛ عدم تجريد الثقافة عن واقع الناس ؛وإشراك النموذج المثقف ليسُنّ السنن الحسنة؛ واعتماد التصنيف الثقافي ومكوناته الفكرية؛ وامتلاء المنتج الثقافي والقناعة به؛ وتسطير الأخبار المورقة عن المثقفين ونبضهم وأنديتهم وجمعياتهم واجتماعاتهم وما يقولون ويفعلون؛ ومن الطقوس الملزمة لهيئة الثقافة الجديدة أن تفصل بين قيمة الثقافات الماضية وما يتطلّبه الحضور الثقافي اليوم من قيمة جديدة؛ كما يتطلب الواقع التقاط الإيجابيات في منصات الثقافة القائمة؛ ومن ثم البحث عمن يكفل لنا وفرة ثقافية محفزة للتفكير الإبداعي الملهم لدى أجيالنا؛ وذلك باستجلاب تصور حديث من ملاحمنا الثقافية عبر العصور المختلفة؛ ومن ذلك الشروع في تعصير التراث الثقافي المكتوب؛ ليكون قناة داعمة لتطوير ثقافة النشء مما يؤسس لعلاقات ثقافية مثيرة بين الأجيال فأجيال اليوم تغيب عن كل ثقافاتها السابقة والممتدة إلا اللمم، وقبل ذلك ينبغي للهيئة الجديدة النظر بعين فاحصة في المحول الذي يتوافر لثقافة اليوم ومصادره؛ وأحسبُ أن الزمن والضرورة تلزمان باستحداث الوقف الثقافي وتشجيع مصادره بتنظيم مرن يحقق أهدافه؛ وأن تكون هناك مراكز ثقافية حكومية وأخرى خاصة للأفراد والمؤسسات ممن يملكون مفاتح الثقافة؛ كما أن ضرورة الحضور الثقافي يلزمه تحفيز الواقع الثقافي القرائي بإعادة صياغة نظام المكتبات العامة وتحويلها إلى مؤسسات مجتمع مدني مستقلة كاملة التشكيل المؤسسي، وأن يسن لها نظام يمكنها من إدارة القراءة وصناعة المجتمعات القارئة فذلك التحول يجعل من تلك المؤسسات الثقافية كيانات قوية تستولد لها فروعا في مواقع مختلفة فيزهر واقع الكتاب السعودي في المحافل المحلية والدولية ويعكس ثقافة البلاد عامة، وتلك حزم من دروب شتى متاحة للهيئة الوليدة لتلبي احتياجا أزليا لحياة العقول لتؤسس لبناء الرأي السليم وتفصل بين الأعمال المتهافتة الضعيفة التي باتت تزاحم المنتج القويم في كل منصات العرض الثقافي ومؤسساته؛ كما تنضح بعض المؤسسات الثقافية بمن لا يُحسن صناعة الثقافة أوقيادة مراكبها حملهم نظام هش ليتصدروا! فالثقافة وإن كانت مكتسبات فردية فلابد من متن ومتانة؛ ودعائم لتحفيز الفكر وذخائر مفضلة بدرجة عالية إذا ما صرفتْ مواردها، وأُحسن إليها ممن يقود مكوناتها!