في الأول من مارس/ آذار هذا العام، حين تفتح الأزهار، وحينما زهت زهور الربيع بألوانها من أحمر فاقع وأبيض يقق وأصفر قانٍ.. وحين استقبلت وهاد القصيم وصحاريها الذهبية فصل الربيع بأجوائه الساحرة والمعتدلة.. كانت (تغريدات) الثقافة تنطلق صادحة معلنة افتتاح أول معرض للكتاب في القصيم!!
جاء ربيع الكتاب والثقافة في القصيم حين كانت البساتين والساحات والدروب تزهو بزهور الربيع ورياحينه الفواحة في كل أرجاء القصيم.. لتزهر الثقافة في القصيم معرضًا.. يرعاه راعي القصيم ومثقفها الأول الأمير الدكتور فيصل بن مشعل. وحين تأتي الرعاية من مثقف بارع.. ومؤلف نادر.. تأتي النتيجة بالنجاح فوق كل المقاييس.. وتتجاوز كل التوقعات.. وهذا ما كان مع (المعرض الأول للكتاب في القصيم) الذي كان قد نجح في المحاولة الأولى.. مع أنه من النادر كسب الرهان وتحقيق النجاح في أول مرة!!
لقد كان سمو أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود -وهو الأمير المثقف- بارعًا في اختيار التوقيت والمكان والنوع والتنظيم.. فالتوقيت جاء مع بداية فصل الربيع.. ويمكن أن نسميه (ربيع الكتاب في القصيم) فقد كانت الأجواء رائعة، تفوح بعبق الزهور والأقحوان.. الجو عليل، ونسماته الرقيقة تهب في المساء وفي الصباح.. والمكان في مركز الملك خالد الحضاري واسع الأرجاء، المتربع وسط روضة خضراء غناء.. أما التنظيم فقد فاق كل التوقعات بروعته، والتصميم كان ذا ذوق رفيع مبهر. ولم يكن هذا الأمر مستغربًا إذا عرفنا أن وراء هذا النجاح (أمير الثقافة) الذي عرفته المكتبة السعودية مثقفًا أثرى الساحة الثقافية بعدد من الكتب، يتجاوز ستة عشر كتابًا في فنون الإدارة والتراث الأدبي والعلمي، والتاريخ، وعُرف داعمًا لطباعة الكتب الشرعية العلمية.. وقد أسس (مكتبة رقمية)، تُعتبر من أندر المكتبات وأكثرها تنوعًا في الأرشيف، وتحتوي على عدد هائل من العناوين التي يجد فيها كل باحث ما يبحث عنه بكل سهولة. وتصدرت هذه المكتبة معرض القصيم الأول للكتاب في إشارة مهمة إلى (الثورة الإلكترونية) في مجال النشر الإلكتروني للكتب، خاصة لأغراض البحث العلمي والثقافي. وفي هذه المقالة سأقدم عددًا من الرؤى والمقترحات التطويرية لهذا المعرض الذي يتجه إلى أن يكون مناسبة سنوية تمامًا كما هو مهرجان التمور ومهرجان الكليجا.
أولاً: فكرة (الكتاب المخفض) فكرة رائدة جدًّا، ولقيت الكتب المبيعة في جناح الكتاب المخفض إقبالاً هائلاً ومنقطع النظير على أكثر من 45000 عنوان، استُنفدت خلال أيام قليلة من المعرض؛ وذلك لأن هذا الجناح كـ(الحديقة الغناء) التي تحوي ثمارًا وزهورًا متنوعة في مختلف العلوم والفنون؛ فهذا كتاب في الرحلات، وهذا في الأدب، وهذا في علوم الكون، وهذا في الشعر والروايات الأدبية، وهذا في التراجم والسير.. وبسعر زهيد جدًّا، وفي متناول الجميع. وكانت هذه الكتب نفسها تباع بأضعاف هذا السعر قبل ذلك، وهذا من أهم أهداف معارض الكتب التي لم تتنبه لها، ولم تطبق إلا في معرض القصيم للكتاب؛ فليس الهدف الأساسي هو ربح دور النشر بقدر ما هو (وضع الكتاب) بسعر مناسب في متناول الجميع. ويجب أن تتنبه لذلك جميع معارض الكتاب.
ثانيًا: معارض الكتب مناسبة ثقافية، لا تشمل فقط عرض الكتاب، وإنما تشجيع مؤلف الكتاب نفسه أولاً. تبحث عن الكتاب المتميز، تبحث عن الكتاب الناجح أولاً، وعن مؤلفه أساسًا، خاصة في الثقافة المحلية للمنطقة التي ينظَّم فيها المعرض، الثقافة التي تنبت من المنطقة نفسها، وتتحدث عن المنطقة تاريخيًّا، وجغرافيًّا، وعلميًّا.. تتحدث عن ثقافة المنطقة وإنسانها ومساهمتها في المجموع الكلي للثقافة الوطنية.
وفي مناسبة هذا المعرض (السنوية) أقترح أن يتم تكريم (شخصية العام الثقافية)، ويتم اختيار هذه الشخصية بناء على مساهماتها في تأليف الكتب، خاصة إذا كانت عن منطقة القصيم نفسها تاريخيًّا، وجغرافيًّا، وسكانًا واقتصادًا. والمنطقة تحفل برجال برزوا في هذا المجال، وصاروا أشهَر من نار على علم. وأخص بالذكر منهم معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الذي كتب تاريخ المنطقة وجغرافيتها، وقلب كل حجر فيها، وكتب اسم كل قرية ومَعْلم في سفر ضخم (معجم بلاد القصيم)، وقام بجهد لا تقوم به مؤسسات بحثية عالية المستوى. كما أصدر (معجم أسر بريدة)، و(معجم أسر عنيزة). وكل معجم من هذين المعجمين تاريخ يتحدث بالوثائق التي وثَّقت لكل من سكن القصيم، ووثق فيه الهجرات السكانية وقصصًا من حياتهم وكفاحهم وتاريخهم.
إضافة إلى عشرات الكتب في الرحلات حول العالم؛ ولهذا يمكن أن نسميه (علامة القصيم) الذي يجب أن تكرمه القصيم. وقد ذكرت هذا العَلَم لتميزه البارز وإلا فهناك غيره الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم.
ثالثًا: أقترح أن يتم وضع مسابقة سنوية لأفضل كتاب تم تأليفه عن المنطقة، سواء كان في التاريخ أو الأدب أو الجغرافيا أو المعالم السياحية أو الاقتصاد.. وحتى لو كان علميًّا. ويمكن أن تكون هذه الجائزة على مجالات عدة: (الأدب، التاريخ، الجغرافيا، الزراعة والبيئة، الاقتصاد، التراجم والسير والسكان).. وأقترح أن تسمى هذه الجائزة باسم راعي الثقافة الأول بالمنطقة (الأمير الدكتور فيصل بن مشعل)، وأن يتم تشكيل لجنة لها من عدد من المختصين والمثقفين والمحكمين العلميين، ويتم تنظيم حفل لإعلانها سنويًّا متزامنة مع معرض الكتاب بالقصيم.
رابعًا: أقترح أن يتم تخصيص جناح بالمعرض باسم (جناح مؤلفات القصيم)، يضم كل ما تم تأليفه عن المنطقة من كتب، وكل ما يوجد من مخطوطات أو صحف أو مجلات أو مكاتبات ووثائق أو بحوث علمية تتحدث عن المنطقة وتاريخها، ومساهمتها في الوحدة الوطنية للبلاد، وفي السياحة والاقتصاد الكلي لوطننا خاصة ما يوجد من بحوث علمية ودراسات تتحدث عن البيئة الزراعية والمحاصيل وبحوث المياه وغيرها، وعن المعالم السياحية والأدلة، ويكون مناسبة لنشر كل بحث، أو كتاب عن المنطقة بحيث يكون عنوانًا سنويًّا، يميز معرض الكتاب، ويجد فيه كل من يقصد المنطقة لزيارة معرض الكتاب كل ما يتحدث عنها، وكل ما أُلّف عنها. وأثق بأننا سنرى -إن شاء الله- في المستقبل معرضًا مبهرًا. ويثبت ذلك التفاؤل ما رأيناه من نجاح مبهر لـ(ربيع الكتاب في القصيم) هذا العام.