ناصر الصِرامي
رموز الصحوة المتشددة وأتباعها المخلصين ليست القصة بالنسبة لهم حجابًا أو سينما أو حفلة غنائية أو نشاطًا ثقافيًا أو اجتماعيًا.. بل هو الخوف على مكانتهم وخلاص المجتمع من قبضتهم.. لذا فهم دومًا يصرخون، ثم ويتراجعون في الوقت ذاته، للحفاظ على مكتسباتهم.. ولحماية منظومتهم المتطرفة وما تبقى من أتباع.
يشككون اليوم في النقد المباشر لمرحلة ما يعرف بـ»الصحوة» -الظلامية-، وكل ما تسببت فيه من انغلاق وعزلة ومعاداة للآخر والحياة. ويصورون هذا النقد أنه صراع بين تيارين، متجاهلين بقصد أنه نقد موجه لحركة تحكمت بمفاصل حياتنا، جمدتها وأعادتها للوراء عقودًا طويلة، وحرمتنا الكثير من مجالات الحياة الطبيعية، اجتماعيًا وثقافيًا وفنيًا، وأحدثت حالة شك رهيبة داخل المجتمع وعلاقاتنا حتى بأقرب الأقربين داخل الأسرة الواحدة.
نقد بدأ منذ سنوات وقبل مؤتمر الصحوة الأخير الذي عقد في جامعة القصيم، الذي حضره «بعض» رموز تلك الحركة المتقدمين والمتأخرين، في مشهد يحاول التخفيف عن كل العاهات والخطايا التي أحدثتها تلك المرحلة، عوضًا عن الكشف الصريح عنها، بغض النظر عن الفلم التعريفي لذلك المؤتمر..!
عموما، أقيم المؤتمر ليناقش ويكشف الإشكالات الفكرية في خطاب الصحوة وبمشاركة عدد من «المفكرين والباحثين»، ولكن علينا مراجعة من هم هؤلاء المفكرين والباحثين بدقة حتى لا نرتكب خطأ آخر..!
في ظل هذا النقد المستمر في السنوات الأخيرة لكشف حساب خطايا «الصحوة»، يجب أن يفهم بعض المعلقين المجاملين أو التابعين لها، أن كل من نقد لا يأتي من فراغ، نحن جيل عشنا تلك الحقبة، وحرمنا -ذكورًا قبل الإناث- أبسط خياراتنا في الحياة، فقد حرمنا من كل شيء تقريبًا باسم «باب سد الذرائع»- مثلا.. من التقنية إلى النشاطات الثقافية والفنية، هذا بخلاف حجب المرأة بالكامل عن الحياة والمشاركة، بسبب فتاوى الصحوة -الظلامية- المُبتدعة وما أحدثته من نظرة دونية مُجتمعية لها، هذا عوضا عن نشر ثقافة التكفير والتنفير والترهيب عبر منشورات وكتيبات ومحاضرات كانت توزع في كل مكان.. بما في ذلك صالونات الحلاقة!
لقد لوثت العقول لسنين طويلة وصورت لهم بأن التعايش مع الأديان كفر وزندقة وضد الدين، وأن حوار الحضارات واحترام الأديان تنازل وموالاة للكفار، وأصبحت عقيدة الولاء والبراء تستخدم بإسراف مبالغ فيه جدا حتى مع ولي الأمر، ومع الأم والأب..!..
واستغلت كل المنابر والتجمعات والنشاطات الطلابية والمراكز الصيفية لكل المراحل لتضيف أتباعًا وتجهل المجتمع وتتحكم في سلوكه ومفاصله. ولم تعترف بالوطن في أدبياتها، فالوطن كما تصوره أدبياتها وطموحهم هو العالم الإسلامي كله الذي يجب أن يتمدد.. نثر مشاهير الصحوة دموع التماسيح وساقوا شبابًا ومراهقين لساحات القتال والعنف وهم يتمتعون بنعم الحياة وثروتها، قبل أن يوجهون العنف في شوارع بلادنا وضد منشأة وطننا ورجال أمننا الشجعان..!
لن يسمح بالمزيد من الضحايا، والتلاعب، فالوعي بتلك الخطايا والجرائم أصبح عاما.. ولن تفتح المدارس والمخيمات والمراكز الصيفية ساحتها لمن يغسلون الأدمغة بالفكر المنحرف والتطرف.. ولن تكون الوصاية ممكنة على مجتمع حيوي فتح أبوابه للعالم، ويستقبل رياح التغيير للعبور نحو المستقبل..!
أخيراً يسوق البعض الآن، إن حضور الآلاف محاضرة بجامع، يؤكد أن «الصحوة باقية وتتمدد.. هذا تزوير متعمد، فهذه المحاضرة أو تلك هي مجرد خيار مفتوح من ضمان مئات الخيارات المتاحة اليوم تحت ضوء الشمس، وبعد أن فتحت الأبواب والنوافذ في المجتمع السعودي، التي لن يعاد إغلاقها طالما أن «الحزم والعزم» يتجه للمستقبل والبقاء فيه، ومشاركة العالم التعايش على هذا الكوكب بسلام..!