د.فوزية أبو خالد
أكون شمسا في الرمق الأخير من الغروب
أكون أشرعة تُطوى على مشارف نهاية الرحلة
أكون كلمة على وشك أن ينفذ حبرها
أكون موجوعة ومجهدة
فجأة.... ترف شرارة ترف شمس صاخبة الألون شفيفة الريشة على أفقي وتنتشلني ومعي كل من جرب الانكسار، الهزيمة، الألم، العشق، الإباء، بأجنجة الأمل والإيمان بالله.
أما المفاجأة فإن تتجسد تلك الشرارة الشمس في شابة تشكيلية صغيرة ترسم من بيتها وطنا وترسم من وطنها عالما شاسعا فتحول النافذة لشرفة و الجدار إلى أفق واللوحة إلى حياة مفعمة بالجمال وبالبشر والبشر بجرة قدم.
لا أدري هل الحظ أو شغفي بالفن والشباب أو الفضول المعرفي أو ربما كلها مجتمعة هي ماقادتني لزيارة ملتقى (مسك آرت) بدرة الرياض على بعد ما لايقل عن خمسين كيلو مترا عن بيتي في عصر نهار صيفي حار من العام الماضي لألتقي مع حفيدي الصغير عبدالله وجها لوجه بالدرة نفسها تبرق وتخطف الألباب بعباءتها السوداء وألوانها الزاهية وليست تلك الدرة إلا الصبية الرسامة هيلة المحيسن البنت الماثلة أمامنا وعلى مد البصر دائما وأبدا بمشيئة الله.
أسميها إرادة
وأسميها مقاومة
فالبنت التي لم تكتف بمواجهتها على جبهة الإعاقة وما يحتاجه الأمر من مجاهدة الجسد والنفس، البنت التي لم تضع طراوة العمر في التأسي ورثاء الذات أو هجاء الظروف والمجتمع ووجدت الوقت لتمزج شيمة الصبر بملح الجرح وتحولها إلى لوحات من الفن التشكيلي لا يمكن أن تكون إلا رمزا للإرادة لكل من أراد أن يصنع تغييرا ذا بال لايبدأ عادة إلا بأنفسنا.
البنت التي تقول أريد إعجابا بفني.. لا أريد شفقة على ما أعانيه من إعاقة لا تستطيع أن تقول ذلك لو لم تكن روحها المعنوية على أهبة الاستعداد لمقاومة النظرة الاجتماعية للإعاقة وعلى أهبة الاستعداد لجعل الفن واحداً من أشرس أشكال المقاومة على جبهة الجسد وعلى جبهة المجتمع وعلى جبهة الفن والحياة.
ولذا حين اقترحت على الملتقى الأحدي استضافة الفنانة التشكيلية الواعدة هيلة المحيسن قلت بالحرف الواحد نحن في احتفائنا بهيلة نحتفي بأربعة عناصر من عناصر الحياة، نحتفي باحتفائنا بهيلة بالشباب باعتبارها تمثل هذه الفئة العزيزة على قلب الأوطان.. ونحتفي باحتفائنا بهيلة بالنساء باعتبارها وجها مضيئا للبنت السعودية ونحتفي من خلال الإحتفاء بهيلة بتحدي الإعاقة بأرقى أشكال التحدي ونحتفي بوجه من أوجه الإبداع وهو الفن التشكيلي.
ولهذا أرى ألا نمر بها سريعا دون أن نتعلم منها ما أودع فيها الرحمن من أسرار القدرة في الانتصار على الأقدار بالأقدار.
أما والدة هيلة العظيمة والتي يجب أن يعرف اسمها الغادي والقادم نعيمة المحيسن فليس هناك كلمات تكفي للحيدث عن شجاعتها وصبرها وبصيرتها و عن مدرستها التربوية.
التي على الجامعات والمجتمعات وجميع الأمهات التعلم منها والنهل من ينابيعها وهي التي تقول بالحرف الواحد لما تحدثت معها في ذلك المساء « لقد تعاملت مع هيلة منذ طفولتها رغم انفطار قلبي لتكون معتمدة على نفسها ومعتدة بنفسها»، والشكر بالمناسبة موصول لوالدها الذي بكل أريحية جاء مع هيلة ووالدتها من المنطقة الشرقية ليكونوا ضيوف الملتقى الأحدي الموافق 29 رجب 1439هـ /15 ابريل 2018م وضيوف الرياض وفخرنا جميعا.
ففي وقوفه الأشم بجانب فلذة كبده هيلة مثال لشجاعة الآباء.
لا أحد يعرف ألم تحويل الشوكة لريشة رسم أو ريشة قلم إلا من شاكته الآلام وشكلته الأوجاع
ولا أحد قد يعلم ماتعانيه الأرواح المتحدية في ستر الليل من جروح الارتحال على دروب الحرية إلا من خاض تجربة المقاومة وذاق عذاب وعذوبة مخاضاتها.
ولكننا كلنا بفضل الله نستطيع أن نحس مشترك الأفراح والأحزان... فلنعيش مع هيلة مشترك الفرح والفن وحب الحياة.
هيلة اليوم ضيفتنا بالملتقى الأحدي بالرياض وقريبا بإذن الله تكونين ياهيلة ضيفة وممثلتنا بالأمم المتحدة بنيويورك بإذن الله.