د. جاسر الحربش
مدخل: ترتكز أفكار هذا المقال على نقطتين أساسيتين في السياسة السعودية حددهما صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حواراته مع الإعلام الخارجي والداخلي. النقطة الأولى أن موقف السعودية تجاه القضية الفلسطينية يبنى على التوصل إلى حل عادل ونهائي يراعي الحقوق الفلسطينية وينال قبول الطرفين، والثانية أن السياسة الداخلية تقوم على حفظ القانون والأمن وحرية العمل وحرية التعبير.
وبعد في يوم السبت 28 رجب 1439 هـ نشرت صحيفة الرياض مقالا ً لأحد كتابها تحت عنوان: قمة الظهران، سلام مع إسرائيل ومواجهة مع إيران. بعد ثلاثة أرباع المقال الإنشائي كانت الزبدة هكذا، وأوردها الكاتب على شكل تقريرات وجمل مثيرة للاستفزاز حسب رأيي تبدأ من العنوان:
1- قمة الظهران، سلام مع إسرائيل ومواجهة مع إيران.
2- على العرب أن يدركوا أن إيران أخطر عليهم من إسرائيل.
3- تحييد الإيديولوجيا الإيرانية التي تحملها في طريق التمدد والهيمنة والنفوذ.
4- اليوم لا خيار أمام العرب سوى المصالحة مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام شاملة.
5- التفرغ لمواجهة المشروع الإيراني وبرنامجها النووي.
6- وضع حد لتدخلات إيران في الشؤون العربية.
7- هذا الخيار لا يقبل أي تبرير أو تأخير أو حتى مساومات أو مزايدات على القضية الفلسطينية.
8- ستكون قمة الظهران بداية الإعلان (هكذا) عن الموقف العربي تجاه إيران.
انتهت النقاط المهمة في المقال.
فيما يلي سوف أتعامل مع مقال جريدة الرياض نقطة بعد أخرى:
1- كيف عرف الكاتب ومن خوله بافتراض أن قمة الظهران قررت قبل انعقادها عقد سلام مع إسرائيل والتفرغ لمواجهة إيران ؟. التعليق على ما سوف يصدر من قمة الظهران أوجزه فيما بعد.
2- على أي أسس وثوابت علمية وتاريخية استنتج الكاتب أن إيران أخطر من إسرائيل ؟. عبر تاريخ يمتد لأكثر من اثنين وسبعين سنة دمرت الصهيونية مئات المدن والقرى وعشرات الآلاف من البيوت وصادرت المياه وأحرقت المزارع وطردت ملايين العرب الفلسطينيين إلى المنافي وأعدمت وجرحت وكسرت عظام أعداد كبيرة من الأطفال وهدمت بيوت عوائلهم بالمجنزرات وسخرت الإعلام الغربي بكامله لتشويه العرب والإسلام أمام العالم باختلاق وصف العنصرية والأكاذيب التاريخية في الأفلام والتقارير والصحف والكيبوزات التي تجمع فيها شباب العالم الغربي في مواسم العطلات الدراسية، ومنعت المراسلين في وسائل الإعلام المحايدة من دخول المحاجر والمحتجزات الفلسطينية والسجون وكسرت آلات التصوير وصادرت الأفلام وقصفت بالنابالم والفوسفور في قانا وغزة وجنين وقطعت أوصال القرى الفلسطينية لمنع التواصل إلا بعد عبور مئات نقاط التفتيش، وسلطت العصابات المسلحة الرشاشات والكلاب لمداهمة الناس في بيوتهم، ومنعت الأذان وهدمت آلاف المساجد وعلقت رؤوس الخنازير على أبوابها ومآذنها، واحتجزت الأطفال وسجنتهم ومن بينهم فتيات مدارس يختفين فلا تعلم أسرهن عن ذلك إلا بعد أيام وأسابيع، وسحبت أمهات من الشوارع بعيد عن أطفالهن المفزوعين المولولين إلى سيارات الجيش لينقلن إلى أماكن مجهولة، وقتلت أعدادا ً من شباب أوروبا وأمريكا لمشاركتهم في المظاهرات الفلسطينية بعد أن اكتشفوا الحقائق، ومنعت كبار الكتاب والفلاسفة والحقوقيين اليهود من الإطلاع على أحوال الفلسطينيين التعيسة في الضفة وغزة. لم تكن هذه الفضائع سوى نتفا ً تسربت خلسة رغم الرقابة الصارمة إلى الإعلام العالمي. هذا عن بعض ما يجري في الأراضي الفلسطينية، أما ما ألحقته الصهيونية من دسائس وتفتيت وتشويه إعلامي لكل الشعوب العربية ومن اغتيالات لقياديين وعلماء ومفكرين عرب، وما دبره اللوبي الصهيوني لغزو العراق وتدميره بكذبة أسلحة التدمير الشامل، فذلك يبدو أن كاتب صحيفة الرياض جاهل به لصغر سنه وقلة اطلاعه، أو أنه يتغافل كما يفعل المستسلمون الجاهلون بما واجهته أمتهم الصحراوية هذه عبر تاريخها الطويل وانتصرت عليه.
تتم بقية تغطية بقية النقاط في الحلقة القادمة.