عبدالعزيز السماري
حققت المملكة قفزات في مجال تسجيل براءات الاختراع، فتغلبت على دول كثيرة مجتمعة، إذ أكدت الأرقام الصادرة من مكتب براءات الاختراع الأمريكي، أن المملكة تقدمت لتحتل المرتبة الـ23 عالمياً من بين 92 بلداً للعام 2017 ، وجاءت الأرقام مذهلة بكل المقاييس في 2017، إذ بلغ عدد براءات الاختراع السعودية 664، وهو ضعف عدد البراءات التي حصلت عليها الدول العربية مجتمعة، لكن لا زالت أرقام الدول العربية مجتمعة ضئيلة عند مقارنتها بالدول الغربية أو بدولة الاحتلال الصهيوني على سبيل المثال..
لكن مع ذلك علينا أن نحتفل بهذا التقدم، والذي قد يشجع على إطلاق مبادرات جديدة في هذا الجانب الضروري في سلم الحضارة، وقد كان ذلك نتيجة لدعم البحوث العلمية بميزانيات أكبر خلال السنوات العشر الماضية، لكن لا يخفى على المهتمين أن الدعم المالي للبحث العلمي انخفض وتأثر مالياً في بعض الجامعات ومراكز البحث العلمي، وسيكون لذلك أثر على براءات الإختراع والبحث العلمي في المستقبل القريب.
التفرغ للبحث العلمي مكلف في حياة الإنسان، ويقلل من فرصه في الحياة، ويحتاج الباحث إلى تفرغ كامل من أجل أن يصل إلى نتائج علمية مذهلة، وإلى تحقيق براءات اختراع، ولهذا يجب عدم التقليل من تغطية احتياجات الباحث العلمي في مجاله، وإذا توقف، أو تم تخفيض دعم الأبحاث سيضطر الباحث العلمي إلى ترك مجاله الذي يتقنه، والاتجاه إلى خيارات أفضل لتحسين دخله المادي.
البحث العلمي ليس ترفاً، وليس معادلة رياضية ذات نتائج محددة، ولكن تراكم لخبرات علمية في مجالات البحث العلمي، وقد تظهر نتائجه في المستقبل، ولا يجب التعامل معه كحالة اقتصادية، ولكن كإعادة برمجة لمجتمع ليس له تاريخ في البحث العلمي، ومن أجل أن نصل إلى نتائج تعود بالنفع على الوطن سنحتاج إلى استثمار أطول في الزمن والإنسان..
من الممكن توجيه البحث العلمي لخدمة الأغراض الوطنية في بعض المجالات، وذلك برصد ميزانيات أعلى للأبحاث التي تهتم بحاجات المملكة كالطاقة البديلة أو تحلية المياه وغيرها، لكن لا يعني ذلك وقف دعم البحث العلمية في إطارها العام، فالمسألة أكبر من دعاية أو إعلان في صحف عن بحث علمي ناجح، ولكن استغلال أمثل للموارد البشرية المتفجرة في الوطن..
ما يحدث من انفجار للطاقة البشرية في البلاد لم أشاهده طوال تجربتي العلمية والطبية، فقد لاحظت الشغف الكبير للبحث العلمي عند كثير من الخريجين الجدد من الجنسين، وإذا تم استغلال هذه الطاقات سنصل إلى أرقام مذهلة في المستقبل القريب، وسيكون لهذا أثر إيجابي كبير على البلاد.
أكبر تحديات البحث العلمي بجانب قصور الدعم المالي هي البيروقراطية الإدارية، فالمكاتب في مؤسساتنا لازالت قاصرة عند المنافع القصيرة الأجل، وتشكل عائقاً إدارياً في بعض الأحيان في وجه تطور البحث العلمي، وبكل أمانة علمية تعاني كثير من المؤسسات البحثية وغير البحثية من الهرم الإداري المتعدد القوى، وهو ما يعني صعوبة العمل والإبداع تحت هذه الطبقة الإدارية المتشعبة..
من أجل مراقبة تطور برامج البحث العلمي على الجهات الرقابية المتخصصة مراجعة تجاربنا الأخيرة خلال السنوات العشر الماضية، فالحراك الذي حصل في برامج البحث العلمي كانت بعض نتائجه مذهلة، لكن ربما تأثرت وتيرته مؤخراً بسبب التدخلات الإدارية، وهو ما يعني غياب المنهج والغرض في برامج البحث العلمي، ولازلنا نأمل من برامج الرؤية الوطنية أن تلزم بعض المرجيعات باتباع منهج واضح ولا يتأثر برغبة المدير أو تدخلاته..
ما حصل من قفزة يعتبر حراكا إيجابيا مهما، ويجب استغلاله للاستثمار بشكل منهجي في مراكز البحث العلمي، وربما إلى زيادة ميزانيات البحث العلمي، وإطلاق مبادرات علمية لخدمة الأغراض الوطنية والتحديات البيئية والعلمية في البلاد، لكن ذلك لا يعني خفض دعم البحث العلمي في المجالات الأخرى..
حسب وجهة نظري يعتبر التعليم والبحث العلمي القلب النابض لأي رؤية وطنية في العالم، ويتقدما على مختلف البرامج الأخرى كالرياضة وغيرها، وإذا نجحت الرؤية السعودية في إخراج البلاد من أرقام براءات اختراعات العالم الثالث إلى أرقام تضاهي العالم الأول، سنصل إلى أهدافها في الموعد، وستنال شهادات الاستحقاق الأعلى في سباق الرؤى الوطنية في العالم..