خالد بن حمد المالك
إذا سلّمنا بأن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لإسبانيا تستند إلى إرث حضاري وتاريخي بين البلدين، وأن هناك قواسم مشتركة تجمع بين البلدين الصديقين، أهمها موقف المملكة من السلم العالمي، وتعاونها مع دول العالم في محاربة العنف والتطرف والإرهاب، ودعواتها المتكررة بتسوية الخلافات في العالم سياسياً وعبر قنوات الحوار، وأن التفاهم بين الرياض ومدريد قائم على تعزيز السلام بإطلاق الأولى لمبادرة السلام العربية، وكون الثانية كانت محطة لمؤتمر مدريد للسلام، فإن كل هذا كان جزءاً من فهم مشترك جعل زيارة ولي العهد لإسبانيا ذات مردود إيجابي للدولتين.
* *
من بين الاتفاقيات الست التي تم توقيعها، تم الإعلان عن بعض تفاصيل الاتفاق الذي تم بين الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) وشركة نافانتيا الإسبانية فهذه الاتفاقية تمثل مشروعاً لشراكة إستراتيجية، وتهدف إلى توطين أكثر من 60 % من كافة الأعمال المتعلقة بأنظمة القتال على السفن، بما في ذلك تركيبها على السفن، ودمجها بالمملكة العربية السعودية، ومن أهداف هذه الشراكة نقل تقنية أنظمة القتال البحرية من إدارة المشروعات، وتركيب وربط أنظمة القتال وفحصها، وهندسة وتصميم النظم، وتطوير العتاد والبرمجيات وفحصها، وتطوير أنظمة المحاكاة.
* *
وبهذه الشراكة ستكون هناك أهداف أخرى من بينها تعزيز جاهزية القوات المسلحة، وخلق نحو ألف فرصة عمل وتدريب، بما يرفع مساهمة السعوديين في الصناعة، ويدفع باتجاه تحقيق رؤية 2030، ويتوقع أن تصل إيرادات المشروع إلى 8 مليارات دولار، وبحجم استثمارات يصل إلى 150 مليون دولار في المرافق والمعدات داخل المملكة.
* *
مثل هذه الشراكة تقودنا أولاً إلى خلق بيئة محلية للصناعات المتطورة، بما يغنينا عن جزء من الاستيرادات الخارجية التي تتم الآن، كما أن مثل هذا المشروع الطموح سوف يتوالد عنه ومنه وظائف للمواطنين، كما أنه سيوفر فرصاً للتدريب سواء على رأس العمل، أو من خلال الابتعاث إلى عدد من الدول لعدد من السعوديين، ومثل هذه الشراكة مع دولة صديقة وموثوق بها كإسبانيا، تجعل من هذا التوجه الذي ينسجم مع رؤية المملكة 2030 عملاً كبيراً ومهماً مما لا غنى للمملكة عنه.
* *
والأمير محمد حين يختتم هذه الزيارات بهذا الحجم من النجاح، وينقل للعالم فضلاً عن الفرص الاستثمارية المتاحة للدول والشركات العالمية، الموقف السعودي من الإرهاب والتطرف والعنف، والدور السعودي الحازم والمتعاون مع الدول في التصدي للإرهاب، فهو إنما يعمل في أكثر من اتجاه، ومن خلال أكثر من محور للوصول إلى الأهداف التي تخدم المملكة والعالم قبل أن يقوم بهذه الزيارات التاريخية.
* *
وما لاحظناه خلال زيارة سموه لإسبانيا ضمن هذه الدول، أن الانطباع عن المملكة بعد الإصلاحات النوعية التي تمر في بلادنا وخصوصاً ما يتعلق منها بالمرأة وإنصافها وتمكينها من ممارسة حقوقها كاملة، وحياتها الطبيعية، أن الانطباع الإيجابي كان سقفه عالياً، حيث أيدوا جميعاً هذه الإصلاحات، وهنأوا الأمير عليها، وربما كان لها دورها في تسهيل وتحقيق الشراكات مع جميع هذه الدول وبينها إسبانيا.
* *
باختصار شديد، فإن زيارة الأمير لإسبانيا ولقاءاته بالملك ورئيس الحكومة ووزيرة الدفاع وعدد من الوزراء، إنما هي إشارة لعمق العلاقات السعودية -الإسبانية- وتأكيداً على أن المملكتين تمثلان أفضل صورة بتحقيقهما مثل هذه العلاقات الثنائية، بما عرف عنهما من تعاون لصالح الشعبين الصديقين ولجميع شعوب العالم.