هنيئاً له قد طاب حياً وميتاً
فما كان محتاجاً لتطييب أكفان
كثير من المفاجآت يكون وقع ضرباتها على هضاب القلوب موجعاً ومؤلماً جداً غير متوقع..، فبينما كنت أحادث الأستاذ الفاضل علي بن ناصر الهديان زميل العمل بالمرحلة المتوسطة والثانوية بحريملاء -آنذاك- طالباً منه اصطحابه إلى الرياض لزيارة حبيبنا وصديقنا في منزله، ففاجأني معزياً في رحيله رحيل ذاك الصديق الأنيس طيب المعشر لين الجانب عبدالرحمن بن ناصر الشبيبي -أبو ناصر- فتألمت كثيراً وحزنت حزناً شديداً، الذي انتقل إلى الدار الباقية بعد ظهر يوم السبت 14-7-1439هـ، وأديت صلاة الميت عليه بعد صلاة عصر يوم الأحد 15-7-1439هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، ثم ووري جثمانه الطاهر بمقبرة الشمال.. مخلفاً ذرية صالحة، وذكراً حسناً بعد حياة حافلة بالجد والكفاح ليعيش كريم النفس مع أسرته غير معول على أحد، إلا إعانة رب العباد له، ودوام توفيقه..، وكانت ولادته في حريملاء في أوائل الخمسينيات الهجرية -تقريباً- وتربى فيها بين أحضان والديه ومع إخوته ولِداته، مشاركاً مع والده في صغره بالعمل في فلاحتهم بنخلهم محدود المساحة والعدد..، وكان نزح الماء من البئر لسقاية نخلهم بواسطة جمل واحد، وهذا يذكرنا بما يجري الآن في الجنادرية من نماذج للتذكير بوسائل الأوائل، وبعدما كبر واشتد ساعداه شخص إلى الرياض فأخذ يشتغل في أعمال حرة، ويمد والديه من كسب الحلال ليعيش مع إخوته الصغار عيشة كفاف وهناء.., وعندما تأسست الرئاسة العامة لتعليم البنات زمن فضيلة الشيخ ناصر بن حمد الراشد التحق بالعمل بمستودعات الرئاسة فهو معروف بأمانته وإخلاصه طيلة عمله حتى أنهى خدمته النظامية، فتفرغ للعبادة وتلاوة القرآن الكريم، واستقبال من يزوره في منزله من أسرته وأقاربه ومحبيه -رحمه الله رحمة واسعة- وكنت أثناء دراستي بالمعهد العلمي، وبكلية اللغة العربية أزوره أنا وحبيبنا زميلي بالكتّاب عبدالله بن إبراهيم الخميس -رحمه الله- ما بين حين وآخر، فيقوم بإكرامنا ويتحفنا بشراب (المرندا والكندادراي) النادرة في تلك الحقب.. -تغمده المولى بواسع رحمته-، وظل التواصل معه زِيارة ومهاتفةً..، حتى قُبيل رحيله، ولما طال مكثه بالرياض تشوق لزيارة مراتع صباه وللمنزل الذي قضى فيه أحلى أيام عمره مع والديه وإخوته وشقيقتيه بالحي القديم حي (قراشة) بمحافظة حريملاء المجاور للمسجد الأثري المعروف مقر تلقي العلم على يد رائد الحركة العلمية فضيلة الشيخ محمد بن ناصر المبارك، وقد خرجعداداً كبيرة من العلماء والقضاة نفع الله بهم في تلك الفترة الزمنية..، وقد تفضل بإعادة بنائه وتجديده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -متعه الله بالصحة التامة وجزيل الأجر- ولقد أجاد الشاعر ابن المعتز القائل:
فأحيي ذكرك بالإحسان تزرعه
يجمع به لك في الدنيا حياتان
والحمد لله ذكره الجميل عمّ المشرقين والمغربين، وقد صلى فيه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العليا للسياحة والتراث الوطني، بعد رعايته جائزة حريملاء منذ عامين -تقريباً-، ثم تجول أبوناصر في ذاك الحي مُسرحاً طرفه نحو جوانب المنزل الذي ولد فيه، وقد تهدم وتثلمت شرفاته وكأني به يكفكف عبراته تأثراً ومتذكراً أيامه الأُول، ولسان حاله يردد في خاطره هذين البيتين:
كأن لم نعش يوماً بأكناف حرملا
بأرض بها أنشأ شبيبتنا الدهر
بلى إن هذا الدهر فرق بيننا
وأي جميع لا يفرقه الدهر!
وعلى أي حال فإن حبيبنا قد ودع الدنيا بنفس راضية راجياً من المولى رضاه ومغفرته، وصلاح عقبه, مُستحضراً قول الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني:
ونرجو من الدياني عفواً ورحمته
ولطفاً إذا باتت علينا الصفائح
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وألهم ذريته وإخوته وأبناءه وشقيقتيه، وأسرة الشيخ عبدالله بن ناصر العمار -أبناء خالته- وأبناء عمه ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف