منصور بن عبدالله الغفيلي
لم أصدق خبر وفاته رحمه الله ولم ينطلق قلمي في عزائه إلا بعد أن هدأت الأقلام، وهكذا هم الكبار عندما يرحلون لايتوقف الناس عن الحديث عنهم.
نعم تأخرت في الكتابة لأن الحديث عن هؤلاء ليس لمناسبة عابرة فهم جبال سامقة نظل ننهل من سيرتهم وننثر من عِبَرهم، ويوم ذهبت للعزاء سألني صاحبي لماذا اجتماعهم في بيت أخيه وليس في بيته، فقلت لأنه منصور المالك فقد انتصر على نفسه وملكها ولم تملكه وزهد في الدنيا مع إقبالها عليه فكان مدبرا عنها وعيناه في السماء، فمات في بيت صغير متواضع لايمكنه أن يستقبل تلك الحشود التي أحبته فظلت في عزائه ثلاثة أيام لاتنقطع في طوابير لاتكاد تشهد لها مثيلا!.
لم يتناد الناس لأجل الدنيا لأن فقيدهم لم تكن علاقاته قائمة على دنيا كما-نحسبه والله حسيبه- لذا أحبه الناس بصدق وكانوا يزورونه كما كنت أفعل في مجلسه الأسبوعي العامر،حيث السكينة والأنس، وكان-رحمه الله- لايتردد في تلبية دعوتهم ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم،ولذا وصلوه حتى بعد رحيله ولا زالت الألسن تدعو له والقلوب تهفو إليه.
لم يكن معالي الشيخ مجرد شخص بل كان جامعة من العلم والأخلاق والفضائل،كثير الفقه بصيرا بأحوال الناس قريبا من كل الأجناس ،حسن التعليم،طيب المعشر، ذا بشاشة،كثير الشفاعة، لايكاد يتحدث في أحد أويجادل أحدا،يحب الخير للناس ويسعى في حوائجهم، لم تغيره الدنيا مع وصوله لقمة الهرم القضائي رئيسا لديوان المظالم في المملكة،بل كان منظومة من القِيم تمشي على الأرض،فرحمة الله على جسد شمل تلك الروح الطيبة.
ونقول لأسرة المالك الكريمة -التي كانت ولا زالت من أعجب الأسر ترابطا وتآلفا ، أحسن الله لنا ولكم العزاء في عميدكم وأخلفكم خيرا و كتب للجميع العفو والغفران،والصبر والسلوان.