الطائف- خاص بـ«الجزيرة»:
جدّد الشيخ الداعية د. بدر بن علي العتيبي مطالبته بإنشاء «إدارة لمكافحة الانحرافات العقدية والأخلاقية» تحت إشراف ورعاية هيئة كبار العلماء والجهات الأمنية المعنية لحماية المجتمع من الأفكار الإلحادية والتكفيرية والشهوانية والعدوانية والانحلالية.
وأوضح في حواره مع «الجزيرة» أننا في هذه الدولة المباركة لم نمنع من بيان الحق أو نحجب عنه، وما زالت عندنا مؤسسات دينية، ومنابر شرعية، ودروس ومحاضرات، مشيراً إلى أنه ليس كل من أخطأ يكفر أو يضلل أو يبدع، حيث إن أمر التصنيف والحكم على الأشخاص ينبغي ألا يكون إلا لأهل العلم والدراية والديانة.
وتناول الشيخ بدر العتيبي في حواره عدد من القضايا والمسائل الدعوية..
وفيما يلي نص الحوار:
* أنتم من القلة القليلة التي تعد على الأصابع المنافحين عن الإسلام وأحكامه.. ترى أين البقية من العلماء والدعاة في بلادنا؟
- الحمد لله، لا يزال الخير باقياً في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبلادنا -ولله الحمد- والمنة مليئة بكبار العلماء، وأهل الدعوة والإصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل من تأمل في جهود الشعب السعودي عامة يجد أن الكثير جداً يقومون بواجب الدعوة وبيان الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كانوا في أحايين كثيرة يفتقرون إلى (سرعة) حضور الخطاب الديني الموجه القائد للخير، حيث إننا نشكو من تأخره في كثير من القضايا الحادثة، مما يجعل العامي البسيط يقلب طرفه مشرقا ومغرباً يرتقب ماذا يقول كبار العلماء، والخوف أن يتكلم الجاهل ثم يتبعه خلق كثير، لذلك نحن لا نشكو من (عدم البيان بالكلية) ولكن نشكو من (تأخره) عن مواكبة كل حدث يقع في الأمة، فيقف طالب العلم البسيط، والعامي العادي، يرتقب قول أحد كبار العلماء ليبين لهم الموقف السليم بين (الإنكار أو الإقرار أو السكوت والصبر) المهم: الناس بحاجة إلى من يرسم لهم المنهج النبوي الوسطي المعتدل مع الحوادث والنوازل، حتى نسلم من الانحراف في الفتوى والتساهل فيها، ونسلم من الطيش فيها والتجاوز إلى الخروج والتكفير ونحو ذلك. ومما يجدر التنبيه عليه، أن الحق يضيع بسببين:
أحدهما: الكتمان، والتقصير في البيان.
والثاني: الحجب والمنع.
ونحن -ولله الحمد والمنة- في هذه الدولة المباركة لم نمنع من بيان الحق أو نحجب عنه، وما زالت عندنا مؤسسات دينية، ومنابر شرعية، ودروس ومحاضرات، بل وما من قطاع حكومي إلا وفيه شؤون دينية ترشد الناس من الجبهات إلى صحن المسجد الحرام، فلم يبقَ العيب فينا إلا من التقصير في البيان، والاتكالية في الدعوة والتعليم، وانشغال بعضهم بما لا يفيد ولا يهم عما يفيد ويهم المسلمين.
* سبق أن ناديتم بإنشاء «إدارة لمكافحة الانحرافات العقدية والأخلاقية»، فما الداعي لذلك في ظل وجود عدد من المؤسسات الشرعية في بلادنا؟
- وما زلت أنادي بذلك، فدين الله تعالى أغلى علينا من أموالنا وأراضينا وكلّ شيء، بل هذا هو شعار الدين وأهله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن وصف أهل الإيمان: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له، ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف الغالين) فالسكوت عن شغب أهل الضلال، وتحريفهم للدين، وتلاعبهم بالفتوى: أصل فساد الدين، وانحراف العقيدة إلى أي اتجاه! فالواجب إنشاء (إدارة لمكافحة الانحرافات العقدية والأخلاقية) تحت إشراف ورعاية هيئة كبار العلماء، والجهات الأمنية المعنية، تكون حاضرة بسرعة مقابل كل مقالة فاسدة في العقائد والأخلاق، من الأفكار الإلحادية والتكفيرية والشهوانية والعدوانية والانحلالية، فالدين ينصر بأمرين:
[1] بالتأسيس، وهذا مهمة أهل العلم والتعليم.
[2] وكشف التلبيس، وهذه مهمة المرابطين المجاهدين بالحرف والكلمة.
* ظاهرة تصنيف الناس من بعض العاملين في الحقل الدعوي تدعو للدهشة والاستغراب، ترى من يقف وراءها، وما السبيل لعلاجها؟
- التصنيف آفة من الآفات، وبلية من البلايا، وأجزم أن سؤالك ليس من التصنيف بحق لأن الناس ولا بد متفرقون على ملل ومذاهب ونحل، فهذا النوع من التصنيف لا يجادل فيه أحد، ولكن المؤلم هو التصنيف بالظنون، وتحريب الناس بالريبة والتهم، والتلاعب بالألقاب، وهذا من الظلم، ومما يمزق المجتمع، ويسبب النفرة، والشحناء، ومثله مما يجب أن يحارب، وأن يؤدّب من يرمي التهم والتصنيفات على الناس جزافاً، فليس كلّ من أخطأ يكفّر أو يضلل أو يبدع، وليس المرء بمجرد خطئه وقوله بمقالة قوم يلحق بهم إلا بشروط وضوابط يعلمها أهل العلم، ولذلك فأمر التصنيف والحكم على الأشخاص ينبغي ألا يكون إلا لأهل العلم والدراية والديانة الذين يراقبون الله، ولا يتهمون الناس بالباطل.
* يتعجب الناس من صمت المؤسسات الشرعية عن بعض الشواذ الذين يطعنون في ديننا ويشككون في أحاديث رسولنا.. رأيكم؟
- مما يظن بهم أنهم لم يصمتوا -إن شاء الله- وإنما ربما هم يتكلِّون على ما سبق بيانهم له من قبل، ويحيلون الناس إليه، ولكن هذا في الحقيقة لا يكفي، والواجب أن يكون هناك (مُتحدثاً) رسمياً يعبّر عن تلك المؤسسات الشرعية وموقفها مما يقع من حوادث فكرية وأخلاقية، كلّ ذلك نصحاً للناس، وبياناً للحق، وأهم من ذلك كله: رسماً للطريق الحق في البيان والتعليم، ولذلك مما أحتسبه -والأجر على الله- من بيان بعض الأمور والكلام عنها، ليس مجرد البيان، بل من أهم مقاصدي هو رسم المنهج النبوي السلفي الصحيح في البيان، بأن يكون طلاب العلم على صراط مستقيم، ولا ينحرفون إلى هدم الدين والمساومة عليه، ولا إلى الخروج على ولاة الأمر والتأليب عليهم، وبلادنا -ولله الحمد والمنة- قريبة من كلّ خير، وتنشر السنة والعلم، وتحكم بشرع الله تعالى.
أنتم من فرسان المنبر منذ عقدين من الزمان، كيف ترى واقع الخطباء الآن؟ وبعدهم عن ملامسة قضايا ومشكلات المجتمع؟
- واقع الخطباء مرضيٌّ ولكنه من دون المأمول من جهات عدة، ومنها:
1 - حاجة الكثير منهم إلى (إعادة التأهيل) و(وتطوير المهارات).
2 - اهتمام الخطيب بالخطبة جمعاً وتنقيحاً وتصحيحاً وعدم الكون إلى (النسخ واللصق) من مواقع الإنترنت وبطون الكتب، لكي تنطلق الخطبة من قلبه للناس.
3 - مواكبة الأحداث ببيان (منظار الشرع) لا الخوض في تفاصيل الأحداث، وإنما تكون الخطبة كجواب لسؤال مواطن بسيط: ما موقفنا الشرعي تجاه ما حصل؟ فيقوم الخطيب، مبيناً الموقف الشرعي في الأحداث والوقائع، والدروس الدينية، بدون تهييج ولا تنفير، ولا إشغال للناس بما لا يعنيهم.
في رأيك هل الدعاة الحاليون مؤهلون لتوصيل الدعوة الآن بالشكل الذي يحقق النتائج المرجوة؟
- لدينا العديد من الدعاة -ولله الحمد والمنة-، ومما يرجى أنهم لم يصلوا إلى العمل في سلك الدعاة إلا وهم مؤهلون لذلك، ولكن مما أعلمه أنهم بحاجة إلى ثلاثة أمور رئيسة:
أحدهما: زيادة العدد، فبعض (المناطق) ولا أقول المحافظات ليس فيها من الدعاة الرسميين إلا ثلاثة أو أقل!
والثاني: تطوير آلية الدعوة، وطريقة الجولات الدعوية، وانتشارهم في المساجد ونحوها، كذلك وضع الخطط السنوية والفصلية والشهرية للدعاة (قبل الانطلاق) لكي تكون دعوته منضبطة.
والثالث: تفيئة الدعاة إلى (واعظ ومحاضر ومدرِّس) لكي تُرعى مصلحة التخصص والميول والقدرة، وكلّ يقوم بما أسند إليه على وجه التمام والكمال، ولا يكلف بالوعظ من التدريس مهارته، ولا بالتدريس من الوعظ إبداعه.