د. عبدالحق عزوزي
اجتمعنا مؤخراً في الرياض في إطار اتحاد عاصفة الفكر وبتنظيم هاته المرة من هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيسها المقتدر الأستاذ خالد المالك؛ والعاصفة الفكرية التي ننشدها منذ سنوات في مثل هاته اللقاءات مدفوعة بروح النقد والعقلانية الراشدة والتنويرية التي تتجاوز الصراعات والأسئلة الخاطئة والفاشلة والتقابلات العميقة، وهي التي توازن بين الرؤية الثباتية والرؤية الحركية التي تشخص وتؤثر على الذات في نظرة تجمع بين التحليل والتركيب والنقد والإصلاح والمنهج والرؤية لبناء منظومة تنويرية عربية جديدة ونظام معرفي وهاج يبعث الحياة في الأوطان والشعوب...
العاصفة الفكرية التي نحن في حاجة إليها اليوم هي التي تهذب الذات من رواسب اللا عقلانية وتروض الإنسان العربي على المفاهيم الهادفة لاستنباتها استنباتاً داخلياً. وإن كنا نكن لبعض المشاريع الفكرية كامل التقدير فإننا لا نرى بضرورة استبدال بنية العقل العربي التراثية ببنية حداثية وبزرع العقل الغربي المعرب، ولكننا نرى بضرورة استحضار ثنائية العقلانية والذات الإنسانية المتبصرة لإعطاء مسألتي «التجاوز» و»الاحتفاظ» قوتها كما هو شأن كل الشعوب المتبصرة... وتجربة الهند أفضل مثال على ذلك وهي التي استطاعت التنظير والتأصيل لمسألتي «الاحتفاظ» و»التجاوز».
وهاته المسألتان، طبقتا بشكل ذكي ودائم في هذا البلد، فليس الأمر مجرد اجترار وتكرار وإعادة إنتاج، وإنما احتفاظ وتجاوز، ورجوع وإبداع... فالذي نحتاج إليه في وطننا العربي بعد الخراب المدمر الذي نراه اليوم في العديد من الأوطان هو «صنع ما ينبغي أن يكون» على أساس «معرفة صحيحة لما كان» بدفع عجلات التنمية قدماً إلى بر العقلنة وبتر تلك المتعلقة برواسب اللا معقول فيه وتفريغه من بطانية الانفعالية، ونضيف إليه العلم لإعادة بناء الوطن العربي في إطار من التماسك والتقوية كما نجد في الأبيات المنسوبة للحارث المحاسبي القائل:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا
من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايته
والعقل قال: أنا الرحمن بي عرفا
فأفصح العلم إفصاحا وقال له
بأينا الله في فرقانه اتصفا
فبان للعقل أن العلم سيده
فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
إن إصلاح أداة التفكير والتغيير المجتمعي وإصلاح المنظومة العربية على أسس سليمة ومعقلنة من الضرورات الملحة، ولعل رصد مثبطات المرحلة الخطيرة التي تمر منها الدول العربية تجعلنا نقول بدون إطناب أن العاصفة الفكرية هي استراتيجية التجديد من الداخل ونحن في أمس الحاجة إليها لكي تضاء الطرق أمامنا ولكي نسير قدماً نحو بر الأمان.
شاركت في جلسة عن التدخل الإيراني، وكان مطلوب مني أن أشخص النظام الإيراني، فقلت بأنه إذا فهمنا نوعية النظام بدقة فهمنا السياسة الداخلية والخارجية للبلد وفهمنا المشكلات التي تعاني منها دول مثل العراق واليمن ولبنان وسوريا والمنطقة بأكملها، فالنظام قائم على الشخصنة السلطوية في ظل غيبة الإمام المنتظر الذي طال مجيئه، وأعني بذلك ولي الفقيه الذي يملك كل السلطات، والذي وصفته المادة 107 من الدستور بأنه «المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره الشريف) الذي اعترفت الأكثرية الساحقة من الناس بمرجعيته وقيادته» فالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأئمة (المادة 57)، فمهمته مهمة مركزية في نظام الحكم الإيراني، وهو المتفرد بالمرجعية الدينية لكل الشيعة في العالم، دون اكتراث للحدود الجغرافية والسيادات الوطنية. ولحماية هذا النوع من التواجد السلطوي في دواليب الدولة، فإن للقائد ممثلين يعينهم يبلغ عددهم نحو ألفي ممثل في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها...
كما أن النظام قائم على مؤسسات دستورية نافذة موضوعة مباشرة تحت سلطة الولي الفقيه، منها:
- مجلس صيانة الدستور؛ - مجلس تشخيص مصلحة النظام؛ - مجلس الخبراء؛ - مجلس الأمن القومي الأعلى،- مجلس إعادة النظر في الدستور؛ - لجنة الثورة الثقافية التي تعنى بخلق أجيال جديدة تتبنى قيم الثورة وتكون مصدر قوة للدولة. ثم لا يجب أن ننسى «الحرس الثوري» المنبثق من «اللجان الثورية» وهو الجهاز العسكري الموازي للجيش والذي يخضع خضوعاً مطلقاً لإيديولوجية الثورة والتوجيهات العليا للدفاع عن خط القائد داخل إيران وخارجها والدفاع عن المستضعفين في الأرض أينا كانوا عبر عملية تصدير الثورة التي تتيح كل شيء بما فيها خلق الفتنة وزعزعة أركان استقرار الدول، وللحديث بقية.