علي الخزيم
قبيل منتصف أبريل الجاري وردت أخبار مؤلمة بالنظر لها بعين إنسانية مجردة من كل اعتبارات أخرى؛ نظرة الإنسان لأخيه الإنسان أينما كان موقعه وإن اختلفت لغته وجنسيته، فمنها أن طائرة جزائرية تقل أكثر من 250 إنساناً توفوا بعد أن هوت الطائرة وتحطمت بعيد إقلاعها، وبذات اليوم يرد خبر من إندونيسيا بأن ما يزيد عن مائة إنسان قد توفوا بسبب تناولهم مواد كانت متسممة بسبب سوء الإعداد، كما قرأت خلال تلك الساعات عن وفيات بسبب جرائم ووفيات طبيعية، ولم أقرأ عنها رغبة بمزيد من توتر الأعصاب أو شغفاً بالمصائب، إنما هي ترد عبر وسائل الإعلام يومياً كغيرها من أخبار مفرحة وما بين هذا وذاك، غير أن القلب بالتعاضد مع العقل وكافة الحواس والجوارح تتفق على التقاط اللحظة بالعبرة والاتعاظ بأن النهايات محتومة وأن المهم صفة النهاية المنتظرة وما يقدمه الإنسان لتلك الساعة العسيرة.
في عقود مضت تموت مثل هذه الأعداد من الناس في بقاع متفرقة وقد لا يشعر أو يعلم بهم الآخرون إلاَّ بعد شهور أو سنوات حينما ينقل الركبان والمسافرون بين الفيافي والقفار مشاهداتهم وما سمعوا من روايات وقصص عن كوارث أودت بحياة الكثيرين أفراداً وجماعات إما بالأمراض الفتاكة أو حالات مطرية أعقبها هدم وغرق ونحو ذلك من الأحداث القاسية المؤلمة التي يعجز الناس عن مواجهتها لافتقارهم للإمكانات المُعِيْنة للتصدي لها فيقفون أمامها عاجزين، وقد لا يستوعب جيل الشباب اليوم القصص التي يطالعونها بأجهزتهم المحمولة فربما فسَّروا المسألة من خلال محورين مُتَخَيَّلين؛ فإما أنها قصص أسطورية أو أن الأجداد كانوا قاصرين عقلياً عن الإحاطة بما يعتريهم من مصائب وكوارث! مع أنهم يقرؤون في طيات مناهجهم الدراسية وبما يستعرضونه بمواقع التواصل الالكترونية ما يشرح كل الملابسات والظروف الاجتماعية المحيطة بكل تجمع بشري عبر العصور.
كان الرجل يترك أطفاله وأهله وأحبابه مفطور القلب ويسافر بعيداً لطلب الرزق لهم، يقول أحد المسنين - وما أعذب أحاديثهم - إنه في سالف أيامنا: (كان أكلف ما على الرجل منا أن يلبس حذاءه ويحمل مزودته ويمضي لسبيله) بدون تأشيرة ولا بطاقة صعود الطائرة، وكان المسافر ربما أصيب بعارض صحي أثناء الرحلة ويتوفى فلا يعلم أهله بخبره إلا بعد حين من الدهر لقلة أسباب التواصل، وكان أحدهم يسافر لطلب الرزق وزوجته حاملاً فلا يعود إلا بعد أن يأخذ طفله بالمشي واللعب مع الأطفال، وأردف أن شباب اليوم عليهم أن يعرفوا ما مر على أجدادهم من عوز وفاقة وقلة موارد، وأن يدعون لهم ويترحموا عليهم كونهم بنوا أجيالاً من القيم والكرامة وحب الأوطان مع ما كانوا عليه، وأن يستلهم الأبناء المعاصرون الدروس والعِبَر وأن يعملوا لمستقبل باهر زاهر بعيداً عن البهرجة والإسراف وقشور المظاهر، وأن نحتذي بقول ميسون الكلبية النجدية بقصيدتها التي كانت سبباً بطلاقها من الخليفة معاوية: (فما أبغي سوى وطني بديلا + وما أبهاه من وطن شريف).