فيصل أكرم
في مطلع العام 2009، حينما قررت صحيفة الجزيرة تكريم الأديب الشاعر معالي د. غازي القصيبي - رحمه الله - وكان على رأس عمله المحدود كوزير للعمل ورأس عمله عابر الحدود كأديب مثقف مفكر وشاعر من أرفع طراز في عصرنا الحديث، كتبتُ مقالة عنوانها (وأبقاني في وطني بمقالة) نشرت في العدد التكريميّ الخاص من (الجزيرة الثقافية) ثم كانت ضمن مواد الكتاب الضخم (الاستثناء) الذي وصفه غازي بالأكثر أهميّة من (جائزة نوبل) في التقدير عنده.
وكنتُ ذكرتُ بالتفصيل، في مقالتي المذكورة، كيف أن مقالته عن ديواني الأول (الخروج من المرآة) عام 1997 – المنشورة في (المجلة العربية) عدد رمضان 1418هـ - كانت سبباً في تراجعي عن قرار اتخذته للهجرة من وطني بعد إحباطات عانيتُ منها وكان سببها التجاهل المتعمّد من مالكي زمام الأمور الثقافية ومانحي الشهادات الأدبية للشعراء الجدد من أمثالي آنذاك.. لن أقتطف شيئاً من مقالته تلك، فقد منحتني شهادة ما كنتُ أحلم بمثلها من مثل غازي – إن كان لغازي أمثلة! – رحمه الله، وهي موجودة في كتابه القيّم (الخليج يتحدّث شعراً ونثراً).. غير أنني سأضيف فقرة أخرى (من تجربتي) إلى مقالتي عنه الموجودة في كتاب العصر (الاستثناء) كان بطلها القصيبي أيضاً، ولكنها كانت بعد وفاته - رحمة الله عليه - بثماني سنوات تقريباً، أمضيت نصفها الثاني في هجرة مكتملة بعد أن تبدل إحباطي إلى اعتزاز بسبب مقالة القصيبي كأساس في تقديري، وقد تبعتها مقالات من مختلف القامات والجهات، ثم مقالته الخاصة جداً عن سيرتي الذاتية (سيف بن أعطى) المنشورة في إحدى المطبوعات العربية ولكنني فقدتها ضمن ما فقدتُ في حادثة (سرقة سيارتي!) ولم أستطع الحصول على نسخة منها حتى اللحظة (وحول ذلك كنتُ تحدثتُ لإذاعة الرياض ليلة تكريم غازي بتدشين كتاب (الاستثناء.. غازي القصيبي - شهادات ودراسات) في حفل مؤسسة (صحيفة الجزيرة) بمركز الملك فهد الثقافي أثناء إتمام إصدارها وتوزيعها الكتاب، وأثناء دعائنا له بالشفاء إذ كان يخضع للعلاج في أحد المستشفيات – رحمه الله).
أقول: الآن عزّزني القصيبي في هجرتي بالمقالة نفسها التي أبقاني بها في وطني ردحاً من الزمن؛ كيف؟
جمعتني الظروف بعدد من المثقفين العرب وكان منهم من لا يعرفني قبلاً ولم يقرأ شيئاً من دواويني وكتبي، فسألني سؤالاً استفزازياً ليتأكد من (قيمتي الأدبية) بعد أن سرد لي قائمة أسماء معروفة تؤكد قيمته الأدبية: من كتب عنك من المثقفين المعروفين عربياً؟ دارات بي الذاكرةُ مشرّقة ومغرّبة والتفّت حول عنقي قلائد مرصّعة بأسماء عظيمة لشعراء وأدباء ومثقفين بالمئات – أقول المئات لا العشرات، صدقاً! – كلها غمرتني بكتابات أظلُّ أعتزُّ بها طيلة حياتي وربما يعتزُّ بها بعد وفاتي كلُّ من كانت له صلة بي؛ غير أنني أردت الإجابة عن السؤال باسم واحد فقط يكفي عن جدارة لتمكين سائلي من تقييمي أدبياً.. فقلتُ (غازي) فقال (غازي القصيبي)؟ قلت نعم، رحمه الله. فقام من مكانه صاحبي – وقد صار صاحبي فعلاً بعد سماع اسم غازي – يصافحني مجدداً ويشكر من جمعني به ويقسم لي بالله أن من أحلامه الكبرى أن يجود الزمان بمثل هذا الأديب الشاعر السياسي الدبلوماسي المثقف المبدع الإنسان – رحمه الله.. فشعرتُ بنشوة الاعتزاز تمتزج بمرارة الفقدان المقدّر...
لن أطيل، فخلاصة قولي تكمن في أمنية صاحبي، والمزيد من الترحُّم على غازي، بخاصة وأننا بعد أقلّ من شهر هجريّ – في مطلع رمضان المبارك تحديداً – تحل بنا ذكرى وفاته الثامنة.. رحمه الله وطيّب ثراه.