د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يتساءل كثير من المحللين إلى أي مدى ستظل القوى المهيمنة على القرار الاقتصادي الدولي حالياً، مهيمنة عليه مستقبلاً أيضاً، وقدرتها على الاحتفاظ بمكانتها وبذات القوى النسبية التي تتمتع بها حالياً، أم أنها ستواجه تحديات تقلص نسبياً من قوتها لمصلحة لاعبين جدد لم يستثمروا قدراتهم وإمكاناتهم، منها السعودية التي تمتلك مقومات كبيرة جداً ولم تستثمر من إمكاناتها إلا جزءاً يسيراً فقط كانت مركزة على مورد آحادي، بينما بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى ظلت معطلة ومتوقفة عن النمو.
تشير أغلب توقعات النمو لأكبر 32 اقتصاداً دولياً التي تسهم مجتمعة بـ84 في المائة من الناتج المحلي العالمي، إلى أن معدل نموها سيزيد قليلاً على 3 في المائة من الآن حتى عام 2050، وسيتضاعف ناتجها عام 2037، على أن يبلغ ثلاثة أضعاف بحلول منتصف القرن.
معظم التحليلات تؤكد على أن حدوث تحولات في مركز الاقتصاد العالمي، وسينتقل الثقل الاقتصادي من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان إلى اقتصادات أخرى من بينها السعودية الدولة الفتية التي تتجه نحو الانفتاح على العالم، وهي تحرص أن يكون لها برنامج مستدام للإصلاحات الهيكلية.
تؤكد تلك التحليلات أن الاقتصاد الصيني سيتجاوز نظيره الأمريكي بحلول عام 2028، وأن الهند لديها القدرة أن تصبح ثاني اقتصاد بحلول عام 2050 وذلك وفقاً لمعيار تعادل القوة الشرائية، والثالثة في الترتيب العالمي وفقاً لمعيار معدل سعر صرف السوق لكن إذا تمكنت من تحقيق الإصلاحات التي اتبعتها الصين.
ومن الدول التي يمكن أن يتفوق اقتصادها من الدول الناشئة مثل المكسيك وإندونيسيا سيتفوق على اقتصاد كل من بريطانيا وفرنسا ويمكن أن يتفوق الاقتصاد التركي على الاقتصاد الإيطالي، رغم ذلك لا تبدو أمراً مسلماً ومضموناً لكنها كلها توقعات وهي مرتبطة بالقدرة على الاستثمار في قطاعي البنية التحتية والتكنولوجيا، وتحسين الهياكل والمؤسسات الاقتصادية والقانونية والاجتماعية مع إبقاء الباب مفتوحاً للتدقيق الحر للتكنولوجيا والأيدي العاملة الماهرة والخبرات الفنية.
التجربة السعودية في الوقت الحالي ربما تكون الأبرز في مجال الانتقال من النفط إلى التكنولوجيا اقتصاد معرفي رأسماله الشباب، والتغيير لا ينحصر في الاقتصاد، بل يمتد لتعزيز قدرات أفراد المجتمع.
وحتى الآن يعد الإصلاح في السعودية وفق صحيفة الإندبندنت الأكثر أهمية في الشرق الأوسط، بسبب خطوات التغيير السريعة التي تتمتع بدعم دولي كامل خصوصاً أن التغييرات التي تشهدها السعودية من مصلحة الغرب وسيكسب العالم كثيراً من تلك الإصلاحات.
يتخذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خطوات صعبة نحو صحوة جديدة وجريئة يختلف فيها عن الأجيال السابقة، حيث أنه مصمم على إعادة السعودية إلى الإسلام الأكثر اعتدالاً وتسامحاً، وتمكين المرأة في هذه المرحلة سيكون حاسماً لنجاح رؤية المملكة 2030، وهو يقود ثورة مختلفة عن السابق بسبب أنها ثورة من الأعلى إلى الأسفل ليسرع في تحقيق إصلاحات ضخمة ما لم تحققه الثورة من الأسفل نحو الأعلى والتي تستغرق زمناً طويلاً.
يستثمر الأمير محمد بن سلمان مكانة السعودية كعاصمة للإسلام العالمية وهي في موقع القيادة، وما يجري فيها الآن يعلن عن حقبة جديدة تجد من كل دول العالم تأييداً لما ينعكس على محاربة الإرهاب في العالم خصوصاً أن كل المسلمين يقتدون بالسعودية، أي أن السعودية مؤهلة لقيادة الاقتصاد الإسلامي نحو آفاق تنموية حقيقية في ظل طموحات واسعة لإحداث تحول جذري في المفهوم التنموي في السعودية، وتحويله من اقتصاد يعتمد على الموارد الريعية للنفط إلى اقتصاد يعتمد على التطور المستدام للتكنولوجي، إذ سيعني ذلك تغييراً غير مسبوق في البنية العامة للمجتمع وطاقاته الإنتاجية، وإذا ما اكتملت تلك التجربة يمكنها قيادة الاقتصاد بسلاسة بل يمكن أن يقفز ترتيبها داخل مجموعة العشرين بشكل ملحوظ.
يمكن أن يسهم التحول في نمو الاقتصاد السعودي بنحو 5 في المائة في المتوسط سنوياً حتى منتصف القرن بحيث ستحتل السعودية المرتبة الـ 12 في الاقتصاد العالمي وفقاً لمعيار الناتج المحلي الإجمالي مقيماً بتعادل القوة الشرائية، لتتفوق على الاقتصاد التركي الذي سيحتل المرتبة الـ14.