د. محمد عبدالله العوين
أردت أن تروح عن نفسك بعد عناء الامتحانات في سنتك الأخيرة بالجامعة في أول يوم من عطلة ذلك العام الدراسي 1400هـ لتقضي بعض الوقت متسكعا في شارع التسوق الأغلى في الرياض حينذاك، انتشيت بزهو وقدماك تنتعل الرصيف المحاذي لشارع الوزير الذي سيوصلك إلى شارع الثميري حيث الماركات من الساعات الغالية الثمن والأحذية الإيطالية الفخمة والأقمشة الشتوية والصيفية النادرة التي لا تراها إلا على كبار علية القوم حين ترى صورهم على شاشة التلفزيون؛ إلا أنك ستكتفي بالفرجة فيداك تقصران عن الشراء.
هل أنت تسير على قدميك حقا أم أن الرصيف نفسه هو الذي يسير بك مستعرضا عشرات المحلات الفخمة التي يتسرب منها هواء بارد رطب ينعشك في صيف الرياض القاسي، ليس هواء بارداً لطيفا فحسب؛ بل يمتزج في تداخل عجيب مع رائحة عطر زكية تنبعث من محلات العطور المتعددة، ويتصاعد زهوك بين فخامة المعروض ونسمات العطور المتطايرة في الهواء فيخيل إليك أنك لست غريبا عن شباب لدن مترف من مرتادي هذا الشارع يلفتون نظرك حتما بما يبدو عليهم من مظاهر الغنى الفاحش، هل صحيح أنك لست غريبا عنهم؟ ربما تملكك هذا الشعور الجامح في لحظات الاندماج الكامل مع تفاصيل متعة النظر الحائر بين لفتات الحسان العذبة وروائع المعروضات، ولئن دفعك الفراغ وشهوة الانطلاق بحرية في أول يوم عطلة فإن ثمة إحساس لم يخب بأن هؤلاء الحسان لم يدفعهن إلى المشي الهادئ المتأمل المشرق بالبسمات التي لا تخفيها العيون الساحرة إلا الترويح عن النفس كما أنت والبحث عن متعة النظر ومتعة التسوق.
كم هو الوقت الذي قضيته في التوقف حينا والمشي الهادئ حينا آخر والتأمل المتمني خلف زجاج كل محل إلا أنك وجدت نفسك فجأة أمام ساعة ميدان الصفاة التاريخية، فها هي منتصبة على ما يشبه الدوار تلتف حولها السيارات لتمثل نقطة توزيع سلسة لمن يقصدون منطقة التسوق، وها هو قصر الحكم يطل بإباء وشموخ على ساحة الصفاة، وعلى الجانب الآخر من الساحة يتربع الجامع الكبير المعروف بجامع الإمام تركي.
وقفتَ بمحاذاة الساعة واسترجعت ما حدث قبل أشهر قليلة؛ ففي هذا الميدان رأيتَ عشرة رؤوس تتطاير تحت حد السيف في صبيحة يوم الأربعاء 19من صفر، تتذكر كيف أسر إليك في قاعة الدرس عند التاسعة زميلك «عثمان» المغرم بتتبع الأخبار وهمس في أذنك أن أمرا مهما سيحدث هذا الصباح فهل تود أن تذهب معي لأريك ما سيحدث؟ وقلتَ له بدون تردد: لست أقل منك في الشغف بمعرفة جديد الأخبار فما الحدث؟ قال: سترى.
وصلنا إلى الساحة في عجلة من أمرنا منطلقين من الكلية نحث الخطى؛ لأكشف ما أخفى سره هذا الزميل الذي كنا نناديه بـ»وكالة الأنباء» فيشعر بغير قليل من الفخر، وصلنا والبيان يقرأ عن الحكم الشرعي الذي سينفذ في عدد من أفراد جماعة «جهيمان» التي اعتدت على الحرم المكي الشريف، يتبع..