إبراهيم عبدالله العمار
هبّ أحد العلماء واقفاً وقال بحماس: اكتشفتُ شيئاً!
كان يدرس تجارب ودراسات علمية على نساء تناولنَ الهرمونات، ووجد أن نسبة أمراض القلب منخفضة لديهن أكثر، فاستبشر المجتمع العلمي وظنوا أن تناول الهرمونات يحمي ضد أمراض القلب، لكن نظر علماء آخرون لهذا بريبة، ولما درسوا بشكل أكثر تفصيلاً وتدقيقاً وجدوا أن هذا غير صحيح. إذاً كيف نجمع بين هاتين الحقيقتين؟ بحقيقة ثالثة: التوافقية لا تعني السببية.
هذه من أكثر الأخطاء التفكيرية انتشاراً، فالعقل البشري يصر على إيجاد السببية دائماً، أي يرى شيئين ويظن أن الأول يسبب الثاني. يرى الأطفال العنيفين يشاهدون التلفاز فيقفز إلى استنتاج: مشاهدة التلفاز تزيد عنف الطفل، لكن ليس هذا صحيحاً بالضرورة، بل العكس يمكن أن يصحّ: ربما الأطفال الأعنف يميلون لمشاهدة التلفاز. في القرون الوسطى ظن الأوروبيون أن القمل نافع، لأنه لا يوجد على المريض، ففسروه أنه يزيد الصحة! لكن الحقيقة أن هذه الكائنات حساسة للحرارة، فإذا تغيرت (حمى مثلاً) غادرت. وأما في الدراسة العلمية في صدر المقالة فالمبدأ نفسه، أي أن التوافق لا يعني السببية، وهنا ظهر أن سبب انخفاض أمراض القلب عند النساء هؤلاء ليس بسبب تناول الهرمونات، بل لأن من يتناولن الهرمونات عادة أكثر مالاً، وهذه النوعية لديها وعي وحرص على الرياضة والغذاء السليم، وهذا هو سبب صحة قلوبهن، لا الهرمونات.
عقلك دائماً إذا رأى توافقاً بين شيئين فسيصر أن الأول سبب الثاني. هل تعلم أنه كلما زاد تناول الآيسكريم زاد الغرق؟ هذه حقيقة! زيادة تناول الناس للآيسكريم دائماً ترتبط بغرق أناس آخرين! لكن وهم السببية يخدعنا هنا، فالواقع أن أكل الآيسكريم لا يسبب الغرق بنفسه، وإنما هذا نوع من التوافق سببه الحر، ففي الصيف يزداد عدد الذين يأكلون الآيسكريم وفي نفس الوقت يزداد عدد الذين يسبحون، ومن هنا تزداد احتمالية الغرق. منذ الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو، وارتبط هذا مع زيادة البدانة بين الناس. هل يعني هذا أن ذاك الغاز هو السبب؟ لا، فهناك عامل ثالث أُغفِل: زاد عدد الذين يشترون السيارات فقلَّ المشي فزاد الناس بدانة. إذاً السببية هي بين قلة الحركة والبدانة، وليس لثاني أكسيد الكربون دور.
هذه تبدو واضحة الآن، لكن لو مرت عليك أمثلة كتلك فانتبه لكيلا تقع ضحية لوهم السببية.