نجيب الخنيزي
في التاسع من شهر أبريل الجاري حلت الذكرى الخامسة عشرة على سقوط بغداد، وانهيار النظام العراقي السابق على يد القوات الأمريكية وحلفائها وفي مقدمتها بريطانيا.
في 2 مايو/ آيار 2003، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الابن انتهاء العمليات العسكرية الرئيسة في العراق في خطابه، الذي ألقاه أمام حشد من العسكريين الأمريكيين على متن حاملة الطائرات إبراهام لنكولن، وذكر فيه أن الحرب شنت بهدف تحرير شعب العراق وتحقيق السلام للعالم، وأكد بوش أن ديكتاتور العراق - حسب وصفه - قد سقط، وأن العراق قد حرر، وأن القوات الأمريكية تقوم الآن فيه بعمليات حفظ الأمن وإعادة البناء.
الغزو الأمريكي جرى تحت ذرائع واهية (من بينها امتلاك النظام العراقي لأسلحة الدمار الشامل، وتحالفه مع تنظيمات إرهابية وفي مقدمتها القاعدة) وقد تبين لاحقاًٍ أنها مفبركة.
وخلال ثلاثة أسابيع من الحرب جرى تدمير ممنهج للبنية التحتية، والمرافق الحيوية العسكرية والمدنية والاقتصادية والخدماتية على حد سواء، كما سقط مئات الآلاف من القتلى والجرحى جلهم من المدنيين.
على الصعيد الأمريكي ووفقاً لتقديرات مشروع تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، فإن الحرب على الإرهاب كلفت الأمريكيين مبلغًا هائلاً يصل إلى 5.6 تريليون دولار منذ عام 2001، عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان وهذا الرقم لا يشمل فقط صندوق الحرب في البنتاغون، بل يشمل أيضاً الالتزامات المستقبلية مثل الخدمات الاجتماعية لعدد متزايد من المحاربين القدامى بعد 11 أيلول.
في عام 2015، عندما قام مشروع تكاليف الحرب في الولايات المتحدة بأحدث إحصاءاته، لقي 165 ألف مدني عراقي حتفهم كنتيجة مباشرة لحرب الولايات المتحدة، إضافة إلى نحو 8.000 جندي أمريكي ومقاول عسكري في العراق، وقد أبلغت الأمم المتحدة أن أكثر من 4.4 ملايين عراقي أصبحوا مشردين داخلياً، وأن 246.100 أصبحوا لاجئين في الخارج.
سأقف هنا عند أكذوبة كبرى تفوق بمرحل ما يسمى بكذبة أبريل، التي طرحتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن المحافظة والمهووسة بأنساق القوة والهيمنة الأمريكية على العالم.
هذه الأكذوبة مفادها أن الولايات المتحدة في غزوها للعراق واحتلالها بغداد في 9 أبريل 2003، إنما استهدفت حرية الشعب العراقي من خلال القضاء على النظام الاستبدادي (ولا خلاف على هذا التوصيف) وتفكيك آلته القمعية ونزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل التي بحوزته، وتصميم نموذج للديمقراطية والحرية في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق والمصالح الأمريكية، وحيث إن الشعب العراقي والقوى المعارضة داخل أو خارج العراق (بما في ذلك المعارضة المتعاونة والمتحالفة مع الولايات المتحدة) غير مهيأة وقادرة (في نظر الإدارة الأمريكية) على تشكيل البديل الديمقراطي، فإن الإدارة الأمريكية المسكونة بـ«القيم الحضارية!» قامت بدور تاريخي عظيم لإنقاذ العراق وشعبه عبر احتلاله، وتدمير مقوماته المادية والبشرية والحضارية والثقافية، وفرض حكم عسكري أمريكي مباشر. واستبدل لاحقاً بسيطرة الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر الذي أصدر في 23 مايو 2003 قراراً بحل الجيش العراقي أحد المكونات القليلة المتبقية للدولة العراقية المركزية، كما أشرف على تشكيل ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية والإثنية، وجرى الاستعانة بفريق من العراقيين الذين قدموا بمعية الاحتلال، بعد أن نالوا شهادات حسن سيرة وسلوك من قبل رامسفيلد ورايس وباول. للحديث صلة