د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تضع كثير من الأسر أياديها على قلوبها كلما أقبل رمضان الفضيل ليس خوفًا من رمضان بالطبع، ولا عدم ترحيب واحتفاء به، ولكن خوفًا من هروب العاملة المنزلية في وقت تكون هي في أمس الحاجة لها. فالعاملة المنزلية ركن أساس في إعداد الموائد الرمضانية العامرة التي يرهق إعدادها ربات البيوت الصائمات فمازالت غالبية الأسر تأكل على وجبة الإفطار أضعاف ما تأكله في أيام الإفطار، حيث تعمر الموائد الرمضانية بما لذ وطاب من المقالي والمعجنات والحلويات بعد ساعات طويلة من الإمساك من قبيل التعويض الغذائي لساعات الإمساك. ويمكن بالطبع استثناء القلة الواعية المرفهة التي اعتادت على هذه الأطباق لدرجة الملل وترى في رمضان فرصة لتخفيف الوزن. وتعد كثير من العائلات أطباقًا إضافيةً من قبيل فعل الخير ترسل لخيم الإفطار في المساجد القريبة التي تعج بالعمالة الوافدة الفقيرة حيث تتساوى مع غيرها في الطعام في هذا الشهر الفضيل فقط.
ليس سرًا أن تُفضَّل العاملة المنزلية الذمية على المسلمة في هذا الشهر الفضيل فهي لا تصوم ولديها طاقة فائضة لملازمة المطبخ في أوقات الاستنفار الرمضاني، أمر تدركه تمامًا كثير من العاملات المنزليات الوافدات كجزء من ذكائهن الاجتماعي في التعامل معنا. وتحوم الشكوك بأن العاملات المنزليات يخضعن لدورات تدريبية مكثفة في بلد القدوم ليس على التدبير المنزلي ولكن على كيفية الالتفاف على الأنظمة المحلية، بدءًا بكيفية كسر إرادة الكفيل السعودي ومتى وكيف تبدأ الإضراب عن العمل؛ ومرورًا بطرق إخفاء ما خف وزنه وزاد ثمنه، وانتهاء بسبل الهروب وأرقام المهربين. فلا يستهين أحد بأي عاملة أو عامل منزلي حتى ولو كانوا وافدين للمرة الأولى، فالحال إلا فيما ندر كر وفر. وهو أمر تدركه جيدًا مكاتب الاستقدام، وبعض سفارات بلدان العمالة التي عمها الفساد أيضًا وكثر موظفوها الذين يستفيدون من ثغراتنا النظامية وظروفنا الاجتماعية لتحقيق مكاسب شخصية.
يتجاوز الراتب الشهري الموسمي للعاملة المنزلية الهاربة في رمضان الثلاثة آلاف ريال، ويصل لأربعة أو خمسة في حالة الاضطرار. راتب يسيل له لعاب أي عاملة منزلية حتى ولو كانت موحدة مؤمنة، وترتفع معه عمولة الوافد المهرب سواءً كان يعمل في مكتب الاستقدام أو خارجه، فكلاهما يطمح في تحسين وضعه المالي بدخل جانبي ينظر له أحيانًا على أنه زكاة إجبارية على مال المواطن السعودي الذي لديه «فلوس كتير» حتى ولو كان مفلسًا أو مديونا. أما صاحب مكتب الاستقدام، شركة كانت أو فرد، فينظر لحساباته الختامية بعين الربح والخسارة فقط ويتجنب الاستقدام في الأشهر الثلاثة قبيل رمضان حيث يضمن عقد الاستقدام عدم الهروب أو رفض العمل و يترك المواطن بعدها مع مصيره المحتوم مع العاملة التي قد تختفي بشكل عجيب كفص ملح يذوب في أسرة أخرى لا تمانع مضاعفة الراتب لها لأنها لا تتحمل مصاريف الاستقدام التي تتجاوز العشرين ألف ريال لبعض الدول. والغريب العجيب أن الأسر التي تستضيف العاملات الهاربات في رمضان لا ترى غيضًا في ذلك، ولا تناقضًا بين الصوم والصلاة والتهجد وإيواء عاملة أسرة أخرى هاربة، بل قد تطبخ العاملة الهاربة طعامًا يذهب لخيمة خيرية، فهذا التناقض الصارخ ضرورة تحل المحرمات!!
جهات الاستقدام، ومعها للأسف الجهات الرسمية المشرفة عليها، والأنظمة المنظمة لها، تتظاهر بالعجز أمام هذه الظاهرة مع أن حلها بسيط جدًا. فالعاملات لا يهربن في الأشهر الثلاثة الأولى، ويكنَّ في غاية الانضباط والاجتهاد، وفي اليوم الأول بعد الثلاثة أشهر، المدة المحرمة، تدب فوضى الإضراب والهروب. وليس للمكاتب بالطبع أي حافزٍ للمساهمة في حل هذه الظاهرة لأنها في النهاية مستفيدة من كل استقدام جديد. ولا يعرف أي سبب في عدم السعي لحماية حقوق المواطن المسكين بتمديد الضمان ضد الهروب أو رفض العمل إلى طيلة مدة العقد، وهذا حق مستحق للمواطن مقابل مبالغ الاستقدام الضخم الذي يدفعه لعقد مدة سريانه سنتان على الأقل وليس شهرين أو ثلاثة. فالعاملة ليست ماكنة يتم ضمانها لجزء من مدة العقد بل بشر عاقل يفهم العقد ومدته ودخله بمحض إرادته. والمواطن يعد مسئولاً عن رواتب وحسن رعاية العاملة طيلة مدة العقد وليس لثلاثة أشهر فقط. ولو ألزمت مكاتب الاستقدام الخارجية أيضًا بذلك لا حتاطت له، وهي تعرف كل شيء عن العاملة قبل قدومها. فآن الأوان أن نبدأ بالنظر للأمور من وجهة نظر المواطن المسكين وليس وجهة نظر قطاع الأعمال فقط.