أ.د.عثمان بن صالح العامر
دائمًا يُربط السلوك بالدرجة العلمية التي يحملها الشخص، أو المنصب الذي يتسنمه، أو التدين الشكلي أو الانتماء العائلي أو... وهذه مع أنها محددات وضوابط مهمة للتصرفات الشخصية فإن المحرك الأساس والأهم هو القناعة الداخلية عند المرء، وإلا لأصبح طوال عمره يعيش على المؤثر الخارجي الذي قد يتغير من جراء تباين الظروف وتبدُّل الواقع كما هو معلوم.
مسؤولية المربي الأهم - خاصة في عصرنا الحاضر الذي صار العالم فيه بلا حدود ثقافية وسلوكية - أن يركز بشكل مباشر على بناء القناعات، وتكوين الدوافع والمؤثرات.. وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بالحوار البنَّاء الذي يكون فيه الطرفان على قدم المساواة ولو ظاهريًّا بعيدًا عن الأستاذية والتعالي وإشعار أي طرف للآخر بعدم إدراكه ودرايته بما هو واجب من سلوك إزاء أمر ما.
لنغيِّر اللغة التي نتحاور بها مع أبنائنا، الجلسة التي تعوَّد طلابنا عليها في القاعة الدراسية، ملامح وجوهنا حين نتحدث إليهم، نظرتنا لهم بأنهم لا يعرفون شيئًا ونحن من يعرف كل شيء عن مسارب الحياة، وكيف يكون سلوكنا مع منعطفاتها وأناسها، سواء أكانوا قريبين منا أو أنهم غرباء عنا.
أعرف أن البعض يعتقد أن هذا من التنظير الممجوج المكرر، ولكن على افتراض أنك اطلعت عليه ومرَّ بك آلاف المرات، هل استطعت أن تجعله منهج حياة لك؟ هذا هو المهم؛ لذا كان التكرار، وسيكون في المستقبل حتى نجعل القناعة الشخصية الداخلية هي ما يحرك السلوك لدى أبناء الجيل.
لست بحاجة إلى القول إن هناك بونًا شاسعًا بين السلوك الذي تدفع لمقارفته القناعة القلبية، وما يتعاطاه الإنسان محاكاة أو مجاملة أو مسايرة للطابع العام في المجتمع الذي يعيش فيه؛ فالكل منا يدرك هذا الأمر، ويعلم الأثر الذي يحدثه هذا وذاك؛ لذا فجميعنا مطالبون بالتوجُّه لتكوين القناعات الإيجابية لدى من هم تحت يدنا عن طريق الحوار.
لنزرع لديهم القناعة بأهمية الوطن في حياة الإنسان، وواجب المحافظة على أمنه وأمانه؛ إذ بفَقْد هذه النعمة تتحول الحياة إلى جحيم لا سمح الله. القناعة بأهمية العمل الحر من أجل تحقق الأمل المنشود، القناعة بواجب التدرج في سلم النجاح وصولاً للقمة، وعدم استعجال النتائج والسعي لحرق المراحل رغبة في الوصول السريع، القناعة بأن الدنيا لا تدوم على حال، القناعة بأهمية الرقي في درجات التعلُّم وصولاً إلى أعلى الشهادات، القناعة بأن تكوين الشخصية يبدأ في مرحلة مبكرة من العمر، القناعة بأن المال ليس كل شيء في الحياة، القناعة بأن سعادتك في إسعاد الآخرين، القناعة بأن الإنسان يتميَّز بذاته وليس بابن من هو يكون، القناعة.. سلسلة طويلة لا تخفى على ذي اللب، وما سبق هو مجرد إشارات عجلى وأمثلة سريعة. دمتم بخير. وإلى لقاء. والسلام.