إبراهيم عبدالله العمار
ماذا تعرف عن التدهور العقلي؟ إنه يبدأ ببطء، وتلاحظه في الأشياء الصغيرة، كأن تنسى أسماء الناس أو الأماكن، أو أن يكون الشيء على طرف لسانك ولا تستطيع أن تتذكره. هذا يحدث لنا كلنا إذا كبرنا، لكن درجات هذا التدهور العقلي البسيط تتفاوت بشكلٍ عظيم بين الناس. الكثير ممن يحصل لهم هذا ينطوون تجنباً للتعامل مع الناس وخشية الإحراج بسبب النسيان وبسبب الراحة في المنزل، لكن هذا يضرهم لأنهم يقللون العلاقات الاجتماعية التي لها دور هام في تنشيط المخ. الانعزال والجلوس يغذيان دوامة وفاة خلوية، وهذا يُذوي المخ ويجعله يتغضن، وإذا ضعف أخذ معه الوظائف التي نعتمد عليه فيها في حياتنا اليومية مثل قدرتك على ربط حذائك وفتح قفل الباب والقيادة للسوق، والمفارقة أن هذه الأشياء البسيطة تتطلب أعلى درجة من العمليات العقلية!
هناك أيضاً ما يسمى التدهور المشاعري. لا عجب أن يصير الناس أكثر حدة وعصبية مع السن، فهي حقبة تصاحبها خسائر كثيرة، خسارة المهنة، والعلاقات، والفرص، والهدف، والإقدام، والحيوية. يمكن أن يأتي الاكتئاب فجأة، وهذا الموضوع هام لأنه يمكن أن يزيد احتمالات الإصابة بالخرف. تنقص هرمونات استروجين وتستوستيرون مع العمر وهذا يؤدي إلى تغييرات في المزاج وفقدان للعنفوان والاكتراث. أيضاً من طرق جلبه للخرف هو أن الاكتئاب يجعل بعض أجزاء المخ تتآكل، ذلك أن الضغط المستمر يجعل الكورتيزول مرتفعاً وهو يقضم وصلاتنا العصبية. مركز رَش المتخصص في أمراض ألزهايمر له دراسات في هذا المجال، منها ما أظهر أن الذين يشعرون بالوحدة هم أكثر من غيرهم إصابة بالمرض بنسبة الضعف.
كيف تحمي نفسك من كل هذا؟ بالرياضة. تجربة على كبار السن الذين لا يتحركون كثيراً تتراوح أعمارهم بين 60 إلى 79 وجدت أنه بعد 6 أشهر من الرياضة تَحسّن استهلاك الأكسجين لديهم بنسبة 16%، لكن الأعجب هو أن الرنين المغناطيسي أظهر أن حجم المخ زاد في الفص الأمامي والزماني، وكان العلماء يظنون هذا مستحيلاً! إن الرياضة لا تكتفي بحفظ المخ من التدهور بل هي تعاكس عملية اضمحلال الخلايا الآتية من الشيخوخة.
1500 شخص من فنلندا في السبعينات أجابوا على استبيان، ثم بعدها بعشرين سنة تواصل معهم العلماء لما صارت أعمارهم بين 56 و 79، ورأوا أن الذين تمرنوا مرتين على الأقل في الأسبوع كانوا أقل إصابة بالخرف بنسبة 50%. لا نعرف بالضبط سبب مرض باركنسون (الشلل الرعاش) لكن الرياضة تُشافي منه خاصة في المراحل الأولى، وربما من أسباب ذلك أن الرياضة تخفف الالتهاب وتزيد الناقلات العصبية وهي عوامل تكافح التدهورات تلك.
كلما ضعفت عزيمتك عن الرياضة، تذكّر أنك ستحمي مخك بإذن الله.