خالد بن حمد المالك
عرفت الشيخ عبدالعزيز بن محمد الرشيد -رحمه الله- في صغري، أتلقى على يديه في المدرسة السعودية بالرس بداياتي التعليمية -السنتين الأولى والثانية من المرحلة الابتدائية- أستاذاً مهاباً، وشخصية آسرة، ومعلماً يحرص على تعليم طلابه، كشأن ذلك الجيل من المدرسين في إخلاصهم وكفاءتهم، وذلك قبل أن يصبح مديراً للمدرسة.
* *
وعرفته عن كبر، رجلاً صامتاً، إن تحدث فلا يصدر عنه إلا ما هو جميل من الكلام، لا يسمح لحضور مجلسه أن يُستغاب إنسان، أو يُقال عن آخر إلا بما هو جميل في القول، فسجايا المرحوم وتربيته وشخصيته وتاريخه هو هكذا كما كنت أسبر ذلك على قلة تواصلي ولقاءاتي به.
* *
لا يكثر من الكلام، بل إنه لا يتكلم إلا قليلاً، وعند الضرورة، وفي حال كان هناك مناسبة للكلام، لكنه يظل شخصية تفرض احترامها وتوقيرها، ورغبة الآخر في الاقتراب منها، والشعور نحوها بما يليق من تصرفات، فلا يتحدث المرء في مجلسه بما لا يرضاه أو يريده، ولا يتصرف معه إلا بالاحترام.
* *
مات الرجل، وكانت حياته مزيجاً من النبل والتواضع، من يلقاه لأول مرة، سوف يشعر وكأنه أمام رجل يخفي مع صمته، وقلة كلامه، والنأي بنفسه عن أي مناقشات لا قيمة لها، شيئاً من همٍّ أو حزن، بينما الأمر غير ذلك تماماً فهذا طبعه وطبيعته وما كان عليه من تواضع.
* *
قبل وفاته بسنوات فقد رفيقة عمره وأم أولاده، وكانت شريكته في الحياة، فأثّرت الوفاة على حياته، وترك غيابها مسحة من حزن، لكنه وهو المؤمن التقي، وابن المؤسسة الدينية، تحمّل الصدمة، وآثر أن يتصرف في بقية حياته بما لا يثير المزيد من الأحزان في نفوس أبنائه وبناته، وكان في صمته وكأنه يهرب من مواجهة حجم المأساة التي واجهها.
* *
ومثلما أن الفقيد كان أنيقاً في اختيار عباراته وجمله وانتقاء أفكاره، فقد كان أنيقاً في ملبسه ومظهره وتعامله مع الآخرين، وفي المشاركة في أي حوار أو نقاش يجد نفسه فيه، ما لا أعرف مثل هذا في شخص آخر، فأستاذنا لا يجد نفسه في الأماكن والاجتماعات المكتظة بالناس، فالفقيد له فلسفة خاصة به، ولا يحاكيه أحد بها.
* *
هذه قراءة تأبينية لشخصية متفردة بكثير من القيم والصفات والعادات، لم نقلها في حياته، وآن لنا -وقد قصرنا- أن نتحدث عنها ولو بعد وفاته، مع أن هناك من هو أقدر مني ليكتب عن تاريخه وإنسانيته وشخصيته، ممن كانوا ملتصقين به، وعلى مقربة منه طيلة حياته، من الأصدقاء والجلساء والأقرباء، فلعل أحداً يكتب بإنصاف عن سجل ناصع كهذا كي لا يغيب.
* *
الآن، وإذ يرافق من سبقه من جيله، أولئك الناس الطيبون الذين تعلمنا على أيديهم الإمساك بالقلم وفك الحرف والتربية والتعليم والخلق، لا نملك إلا أن نترحم عليه وعليهم، فقد فقدنا عقولاً ومربين ومعلمين وأفذاذاً من الرجال، فاللهم اجعل منزل فقيدنا عبدالعزيز المحمد الرشيد في عداد من تشملهم بعفوك ومغفرتك، وأنزله في روضة من رياض الجنة، واجعل ما عاناه في سنوات عمره الأخيرة تكفيراً وعفواً وقبولاً في نعيم جناتك، وارحم كل الأخيار الذين سبقوه في الوفاة.