فوزية الجار الله
في غرفة انتظار العيادة، في كل زمان ومكان يحدث شيء ما، يحدث أن تواجهك وقائع متفاوتة، بعضها مألوف وبعضها حزين وبعضها الآخر طريف.
لأول مرة أحضر في هذه العيادة خارج الوطن، أتيت لمجرد استشارة عابرة فلا أعاني ولله الحمد أمراً جللاً، حفظ الله لكم ولي نعمة الصحة تاجاً متألقاً لاتضاهيه كنوز السند والهند كما تقول النصوص التاريخية القديمة.
بدت مساحة غرفة انتظار العيادة ضيقة ومكتظة، وقد حضرت بعض النساء برفقة طفلاتهن الصغيرات، إحداهن رافقتها اثنتان والأخرى واحدة والطبيبة تحاول التلطف وضبط أعصابها لكي تواصل عملها بشيء من التركيز، كنت في الخارج حين صافحتني السكرتيرة، ابتسمَتْ وطلبت مني التفضل بالجلوس في غرفة الكشف المجاورة ريثما تحضر الطبيبة.. بعد قليل انتقلت إلى غرفة الانتظار، هرعت الصغيرات بأوراق يحملنها في أيديهن يسألنني مساعدتهن في رسم صورة وجه المرأة المعلقة على الجدار حيث طلبت منهن والدتهن رسم صورة مشابهة.. كان الموقف طريفاً، استسلمت لبراءتهن وأخذت أحدثهن وأشرح لهن كيف يمكننا وضع خطوط مشابهة للصورة الأصل.. بعدها طلبن مني عمل قارب شراعي من خلال هذه الورقة، حسناً لا بأس..! أخذت أحاول استدعاء ما في الذاكرة من بقايا تلك الألعاب الورقية الطفولية، كنت في غاية الانسجام مع طفولتهن لكن في الوقت ذاته أحزنني أن الأمهات الثلاث حولي كانت كل منهن تحمل سيجارة بيدها وتدخن بشراهة عجيبة.
اقتربت إحداهن وهي تقول لي بأنها هنا في محاولة لإجراء بعض عمليات التنحيف لأجزاء من جسدها، إنها منزعجة جداً وتود أن تبدو في قوام أكثر رشاقة..
بعد قليل كنت أتنفس الصعداء خارج تلك المساحة الضيقة، سعيدة بخروجي من ذلك الضجيج الممزوج برائحة الدخان.. تناهى إلى سمعي صوت نسائي يقول: ماذا هل تتسوقين؟ ترى هل ثمة من يعرفني هنا؟ تلفت يمنة ويسرة وإذا بها هي ذاتها تلك السيدة أم الطفلة الصغيرة ذات العينين الخضراوين التي لم تتجاوز الثالثة، أخبرتها بأنني أردت فقط شيئاً من الترفيه والتسلية بعضاً من الوقت لا أكثر، وبشكل عفوي مضت إلى جواري اتفقنا على الجلوس في ذلك المقهى الصغير لنستمتع بشيء من القهوة أثناء الحديث..
تحدثت هنا وهناك ثم قالت: أنا أتعذب كثيراً بسبب وزني و لدي رغبة ملحة في الحصول على جسد رشيق، ثم أردفت ضاحكة أريد أن أتزوج، وقبل أن أسأل، أضافت: أنا مطلقة، أنا طلقته!! بخيل جداً رغم أنه يملك الكثير.
وطفلتك؟ سألتها..
* سترافقني، لدي اثنتان عدا هذه سيكون شرطي أن تعيش بناتي معي.. أعلم أن ذلك ليس بالأمر السهل، لا أخفيك إنني خائفة ومترددة.
إذاً.. فكري جيداً.. قلت لها وأنا أردد بيني وبين نفسي وما شأني أنا بهذه الحيرة وتلك المتاهة!
حين رفعت رأسي إليها سألتني: هل تمانعين فيما لو دخنت هذه اللفافة؟!