أمل بنت فهد
في حوارات كثيرة، وفي أماكن مختلفة، ومستويات تعليمية متفاوتة، تجد أن النقد سيد الموقف، وجلد الذات الاجتماعية يمارس كأنه طبيعي، وهو غير طبيعي، لأنه غضب يمارسه المجتمع ضد نفسه، إنه يسخر من نفسه، إنه يتعامل مع الاختلاف على أنه عيب يحتاج إلى ترقيع، وممارسة النقد تقود تدريجياً إلى احتقار الذات، وتحجيم الجمال، إلى أن يختفي، ولا يبقى غير ذات مهشمة، ذات تظن في نفسها الظنون.
فإذا كان الجميع ينتقد، ويتباكى على الأحوال التي لا تتوافق مع رؤيته ومنهجه، وكل حزب لا يزال يعتقد أنه هو الأجدر على قيادة المجتمع، فإن هذا الضجيج من بعيد، وحين تصم آذانك عنه، ستعرف ماذا يحدث، ستكتشف تنافر لا يعد بخير، كأن لا أحد بخير، وستفهم أن الرسائل كثيرة ومتطايرة في كل مكان، تتهم المجتمع، تنتقد ماضيها، وتدين حاضرها، الرجل ينتقد المرأة، والمرأة تنتقد الرجل، والمعلم ينتقد معلم آخر، وطبيب ينتقد طبيب آخر، وهكذا، كل فرد من المجتمع لديه قائمة جاهزة من النقد، ولو تمعنت قليلاً ستجد أننا نلهث خلف المستحيل، نقاوم طبيعية الاختلاف، لنوجد مدينة المستحيل الثانية، لأن المدينة الفاضلة هي أول المستحيلات، وتليها مدينة التشابه والتطابق، مكان كل شيء فيه متشابه، الأفكار، والملابس والبيوت، الأخلاق، الأذواق، الكتب، الثقافة، المذهب، الدين!
ولو كان التشابه هو الحياة أو القوة، لكانت الطبيعة قائمة على التشابه، لكن الكون بأسره يعيش الاختلاف، ويتنفس الاختلاف، ويمارس الاختلاف، وكل مختلف له مساحته، وظروف عيشه، وطريقته التي لا يحيد عنها، ورغم ذلك يسعه الكون، لكنه يضيق بالمتشابه، لأن التشابه يحفز التنافس، يحفز التسلّق، إذْ تبقى دوافع التميز دفينة في الإنسان ولا يحدها سقف ولا زمان، ولسوف يكفر بالتشابه ليشبع نهم التميز.
لو تخلصنا من عقدة التشابه، وسمحنا للمختلف أن يأخذ مكانه بيننا، واحترمنا اختلافه، وتقبلناه، سنعرف حينها كيف ننسى ونتجاهل سطحية المظهر، ولن يخدعنا القول، بل سنبحث عن أعمق من ذلك، سنبحث عن الفعل، سنبحث عن إحداث الفرق، سيكون المختلف ليس متهماً، بل واحد منا، لأننا كلنا مختلفون وإن تظاهرنا بالتشابه.
المختلف فرصة لننتهي من كثرة الالتفات ومراقبة الآخرين، لنستكين، ونهدأ، ونبدأ في البحث عن الأعمق.