ليست القضية اليوم أن ننتج لنستطيع إشباع حاجاتنا، بل إنهم على العكس يقنعوننا بأن نستهلك ونبذر حتى نستطيع أن ننتج، وكل شيء يجري كما لو كنا خاضعين لآلة تُنتج بضائع وتُوجد أسواقاً وتكيّف المستهلكين، لإشباع حاجات هذه الآلة الكلية، قبل كل شيء.
إن هناك استمرارية كاملة بين قانون مجتمعات النمو وقانون الجريمة، يقول وزير فرنسي سابق إن المخدر هو داء المجتمعات الاستهلاكية ذات النظام الليبرالي.
والنمو هو أساساً نمو العدوانية ضد البيئة وضد الإنسان. والحق أن هناك أمراضاً أخرى سُميت بـ(أمراض المدنية)، سبّبها مجموع طرائق العيش في مجتمعاتنا.
لذا , يؤكد نادي روما في تقاريره أنه إذا لم نتخذ أي تدبير مباشر لتغيير الطراز الحالي للنمو في البلدان المتطورة، فسيكون هناك 500 مليون وفاة بالجوع في آسيا.
إن الإنسان الإحصائي لا يوجد في أي مكان والمشكلة أن الأوروبي الذي يستهلك 500 ضعف من الطاقة والموارد الطبيعية، يكون بالتالي أكثر تلويثاً بـ500 ضعف من الأفريقي.
ثم إن الايديولوجيات التبريرية للنمو تصطدم بتناقض الوقائع الأكثر بداهة في قلب البلدان المصنّعة ذاتها.
فليست القضية هي قضية الماضي فحسب، قضية مطلع القرن التاسع عشر حين رسم كارل ماركس لوحة (رقصات رأس المال الصاخبة)، ساحباً تحت (دبابة النمو) الأولاد والنساء كيدٍ عاملةٍ رخيصة.
بل وقضية الحاضر أيضاً، قضية القرن الحادي والعشرين، حيث المجتمع الجرائمي المنظّم، ففي حين كان الإجرام التقليدي مرتبطاً بالفقر: فقد كان ثمة علاقات وثيقة بين البؤس وإدمان الكحول والسل والسرقة والاستعطاء والتشرد.
أصبح الإجرام له أشكال جديدة، إجرام منظّم إجرام بـ(ياقة بيضاء)، عنف مجاني ، مرتبطة بالنمو، وليس بالعوز.
إن التبرير الأكثر رواجاً للنمو، في نظر الاقتصاديين هو أن ديناميكيته ذاتها ستسمح بامتصاص (جيوب البؤس)، بفضل المبدأ الذي ينص على أن حصة كل شخص تكبر بقدر ما يكون قالب الحلوى كبيراً. والتجربة التاريخية ترينا اليوم أن الأمر ليس كذلك، فإن طراز النمو لا يقودنا فحسب إلى انتحار بطيء للأرض وسكانها، بل إن الفجوة بين البلدان المصنعة والبلدان النامية تتسع ولا تكف عن التفاقم.