عبدالعزيز السماري
تمثِّل الإدارة حجر الزاوية في الإخفاقات والنجاح، وهي إما أن تكون بمثابة القلب النابض بالحياة في الجسد السليم إذا كانت فعّالة ومتطورة وتساهم في التنمية وفي دفع حلقات التطور، أو مثل البؤرة المرضية التي تقف حائلاً أمام تطور المؤسسة أو الوزارة أو الخدمات، ومن أهم علامات بدايات الفشل تضخم طبقاتها وتعدد مستوياتها، وهي طريقة عفوية للانغلاق حول نفسها، ومن ثم وضع العراقيل أمام الآخرين، وفي بعض الحالات قد تتحول إلى منفعة خاصة لفئة محددة من المؤسسة.
من علاماتها أيضاً إصدار قرارات لا يمكن تطبيقها، ولو طُبّقت تكون كلفتها عالية جداً، ولا تعود بالمنافع على المستفيدين، ومثال ذلك كان قرار، اشتراط وزارة المياه والزراعة تركيب عدادات على آبار المياه العاملة، أحد هذه القرارات التي تحكي سيرة الإدارة ومنافعها وأضرارها، فالقرار قديم، وتمت إعادته للتداول على الرغم من استحالة تطبيقاته، وكان الأولى استثمار تكاليفه في إدارة تنقية مياه الصرف، واستغلالها في مجالات الزراعة من أجل تخفيض الاعتماد على المياه الجوفية..
تتحدث وسائل الإعلام منذ عقد من الزمان أو أكثر عن قرار توحيد الملف الطبي للمرضى في مختلف مستشفيات المملكة، وهو قرار ضروري جداً، وله أهمية إستراتيجية عليا في مجال لتقديم الخدمات الصحية، فبالإضافة لتقليل التكاليف العالية لاختلاف الملفات من مستشفى إلى آخر، سيساهم في تخفيض الطبقات الإدارية غير المفيدة بالمستشفيات، وتفعيل الآلة للحصول على أرقام دقيقة عن الوضع الصحي في المملكة، لكن ما زلنا في حالة انتظار..
كان قرار توحيد الكوادر الطبية من القرارات غير المدروسة التي استنزفت طاقات المقدمين للخدمة الصحية، فقد تم إطلاقها بدون دراسة وافية، واحتاج الأمر لسنوات لتعديلها أو إلغاء تطبيقاتها في بعض المستشفيات، لكن الضرر وقع نتيجة عدم الدراسة، فقد أدت إلى هروب الأطباء إلى العمل في القطاع الخاص إما بالتفرّغ الكامل أو العمل الجزئي من تحت الطاولة، وصاحبها غض للإداري عن النظر في هذه التجاوزات، واعتبرها طريقة لمعالجة آثار القرار من خلال إفساد العمل المؤسسي..
ما قامت به وزارة العمل من إصدار ضريبة على المرافقين للعمالة الأجنبية مهما كانت مستوياتها الاجتماعية وتصاعدها السنوي إلى أن تصل 700 أو 800 في عام 2020 يحتاج إلى وقفات من قِبل المسؤولين، فقد كان من نتائجه الأولية ترحيل الأجانب لعوائلهم، وبقاء الأجنبي وحيداً، وذلك لتخفيض التكاليف المالية على دخله، ويُتوقّع أن ترحل بقية العوائل بعد انتهاء السنة الدراسية، وسيكون من أهم نتائجه تحول المجتمع إلى حالة ذكورية طاغية، بالإضافة إلى انهيار سوق الشقق الصغيرة والاستهلاك.
هذا القرار يعمل ضد سياسة الانفتاح والاستثمار في السياحة والترفيه، فهو يطرد التنوّع الاجتماعي، ويعيدنا إلى مجتمع منغلق على نفسه، وكان الأولى أن تكون تطبيقاته على العمالة اليدوية، وأن لا يُطبّق على أصحاب التخصصات مثل الأطباء والمهندسين وغيرهم من أصحاب الدخل الأعلى، فالمستفيد هو السوق السعودي، ولن يؤثّر ذلك على عملية التوطين في هذه التخصصات..
لا توجد حالة مثالية في حياة الإدارة لكن لا بد من دراسة القرار قبل إطلاقه، والتساؤل منهجياً عن إمكانيات تطبيقه، وما هي العواقب السلبية له، وذلك لئلا يكون التجميد الحل بعد إصداره، وأن لا يتم استدعاؤه لاحقاً مثلما حدث في قرار تطبيق العدادات على الآبار، فهو قرار قديم، وتم تجميده لعدم إمكانية تطبيقه، وتم استدعاؤه بدون دراسة ميدانية..
ختاماً الإدارة الناجحة بمثابة الكنز الذي يفجّر الطاقات الإبداعية في المجتمع، والإدارة الفاشلة تقتل الطموح وتولّد الفشل، وهي معدية إذا لم تتم محاسبتها على قراراتها الخاطئة، ولا شك أن كثيراً من النجاحات المتوالية في البلاد كان خلفها تميز إداري، وبالدراسة والتأني والمراجعة قد نصل إلى مستويات أكثر نجاحاً وتألقاً.. والله ولي التوفيق.