د.حامد الوردة الشراري
في يوم الخميس 29 مارس 2018، منحت هيئة الاتصالات الفدرالية (FCC)، وهي أعلى سلطة تنظيم لقطاع الاتصالات في أمريكا، أول رخصة لشركة «سبيس أكس SpaceX» لتوفير خدمات النطاق العريض باستخدام جيل جديد من الأقمار الصناعية تعمل في المدارات الأرضية المنخفضة خدمة للمواطن الأمريكي القاطن بالأرياف أو الأماكن التى لا تصلهم شبكة الألياف البصرية أو أبراج الجوالات. خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، التي تتيح للمستخدم أو المشترك الاتصال بشبكة الإنترنت العالمية من مزود خدمة الإنترنت قد يتواجد في بلد آخر مختلف عن بلد المستخدم، بدء تطويرها مع بداية الإنترنت، والتقدم في تقنية الاتصالات من حيث سرعة تبادل البيانات وسعات الأقمار الصناعية وانخفاض التكلفة ساهم في التوسع في استخدامها. قد يتسأل قارئ كريم، ما هو الجديد؟..
سبق أن وافقت هيئة الاتصالات الفيدرالية على طلبات شركات أخرى مثل مشروع «OneWeb» لتقديم خدمات النطاق العريض للسوق الأمريكي، إلا أن منحها الرخصة الأولى لشركة «سبيس أكس» تُعد من الخطوات المهمة وغير مسبوقة في بناء إنترنت الفضاء العالمي. في خطة هذه الشركة، الأقمار الصناعية تعمل في المدارات المنخفضة أو قريبة من سطح الأرض (من 160كم إلى 2000كم)، لتجاوز أحد التحديات الرئيسية في الإنترنت الحالية والتي تبث من خلال الاقمار الصناعية الثابتة (تكون حركتها متزامنة مع حركة دوران الأرض وعلى ارتفاع 35786 كم من سطح الأرض) وهو التأخر في وصول الإشارة (أو المعلومة) للمشترك يقدر بربع ثانية وهو تأخر زمني مهول في عالم الاتصالات، التي تقاس سرعاته في النانو ثانية (النانو واحد من مليار من الثانية)، يؤثر بشكل جذري في كفاءة الإنترنت وغير عملي للتطبيقات التي تتطلب سرعات وكميات بيانات عالية متزامنة الإرسال.
بموجب هذه الموافقة الرسمية ستعمل الشركة على بناء شبكة عالمية للإنترنت الفضائي مستخدمة (4425) قمراً صناعياً في البداية يزداد عددها حتى يصل إلى (12000) قمر صناعي في المستقبل لتغطية جميع بقاع المعمورة في أيّ وقت وبحركة غير متزامنة مع دوران الأرض؛ وهي بمثابة غزو «تسونامي» فضائي سيصل لمن في البر والبحر مما يمكن شركات التقنية من رصد تحركات وهويات ورغبات البشر... إلخ.
ووفقاً لخطة الشركة من المتوقع أن هذا المشروع سيخدم أكثر من 40 مليون مشترك حتى عام 2025 وبعائد مالي يقدر بـ30 مليار دولار أمريكي. بالإضافية لذلك، الشركة تطمح ببناء «نظام اتصالات عالمي» يوفر تواصلاً أفضل بين القارات وبمعدل وقت استجابة أقل بكثير مما هو متوفر حالياً.
مثل هذا المشاريع مكلفة ومعقدة وتواجه تحديات منها؛ ضبط حركة أو دوران الأقمار الصناعية حول الأرض بشكل منتظم وبدقة عالية، والاتصال الدائم بين تلك الأقمار لتغطية جميع إجزاء الأرض دون انقطاع أو تداخل بين الإشارات، وتوفير نطاقات وسعات كافية لنقل المعلومة بشتى أنواعها (صوت، صورة، بيانات)، وموافقة الجهات التنظيمية الدولية ذات العلاقة بالاتصالات والفضاء الخارجي كالاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).
وقد سبق أن حاولت شركات معروفة في هذا المجال وباءت بالفشل وتركت فراغاً كبيراً في سوق الاتصالات الفضائية العالمية مما شجع الشركات الطامحة الولوج في هذا التحدي مثل شركة «سبيس أكس» الذي يسندها الإمكانيات الكبيرة المتوفرة، والتقدم المهول في تقنية الاتصالات، والطلب المتزايد لسوق الاتصالات العالمي، والعوائد المالية الكبيرة المتوقعة، والسباق المحموم والتنافس بين الشركات والدول للسيطرة على انترنت الفضاء، والدعم اللوجستي من الحكومة الأمريكية.
حتماً، ستتجاوز الشركة تلك الصعوبات لكون هذه المشروعات تضمن تفوق أمريكا اقتصادياً وتعزز هيمنتها الدولية.
في حال نجاح الشركة في مشروعها قد توفر لك الارتباط بالإنترنت الفضائي من جهازك الذكي (هاتف، آي باد، كمبيوتر، بليستيشن... إلخ)، دون الحاجة لصحن لاقط؛ كأنك تتواصل مع برج جوال (خلوي)، وبأسعار منافسة قد تصل إلى المجانية، وبسرعة وجودة عالية جداً، متجاوزه جميع القيود التي تفرضها الدول على الإنترنت الأرضي (الكيابل، الألياف البصرية، وأبراج الاتصالات) لحماية اقتصادها ومجتمعاتها وثقافتها.
هذه المشروعات العالمية الجبارة سيكون لها تأثير أعمق وأكبر من السابق في تكون الحياة في أبعادها الاجتماعية والثقافية والفكرية والعلمية والاقتصادية. وبجانب إيجابياتها الكثيرة التي لا يمكن حصرها قي مقال سيكون لها تبعات وأثار سلبية مباشرة على الاقتصاد، وقد تكون أول ضحاياها شركات الاتصالات المحلية إن لم تتدارك وتغير سياستها ومنهجية عملها وتحسن من جودة خدماتها وبأسعار تنافس خدمة الإنترنت الفضائي، الذي ينعكس بالمجمل سلباً على الاقتصاد المحلي للدول.
هذ التسونامي (أو الغزو) الإنترنتي الفضائي قادم لا محال وسيفرض واقعاً جديداً، ولن يكون للمتلقي سواء دولاً أو شركات أو أفراداً دور في التحكم فيها، لذا على الدول إعداد العدة للتقليل من آثارها السلبية على مجتمعاتها واقتصادها، والاستفادة المثلى من إيجابياتها.