ياسر صالح البهيجان
تُعد البيانات المفتوحة وخاصة الحكوميّة منها موردًا هائلاً لم يجرِ استثماره بالطريقة المثلى حتى الآن، تلك البيانات تختصر جهودًا بحثيّة مرهقة وتساعد المواطنين والجهات العامة والخاصة والخيرية على اتخاذ العديد من القرارات السليمة بموجب ما يتوفر لها من معلومات، فضلاً عن دورها الرئيس في تعزيز مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية والتمكين الذاتي وتحسين كفاءة العمل والرفع من فاعلية الخدمات.
معظم الجهات الحكوميّة تتعامل مع بياناتها وكأنها صندوق أسود رغم أنه من الناحية القانونيّة ثمة مبررات وجيهة تجيز للسكّان حقّ الاطلاع على تلك البيانات والمعلومات لمعرفة آليّات سير العمل في تلك المؤسسات، والمشاركة في الإدلاء برأيهم في سبيل الارتقاء بالخدمات المقدمة لهم، ولا أعلم لماذا تهمّش تلك الجهات الرأي العام، وتتعمد إخفاء تقاريرها السنويّة، ولا نكاد نجد منها سوى ما تكتبه هي عن نفسها في وسائل الإعلام.
ترتيب المملكة في مؤشر البيانات المفتوحة (Global Open Data Index) هو 74 من أصل 94 دولة، وهو ترتيب متأخر جدًا، سببه تقاعس معظم الجهات الحكوميّة عن الإفصاح والشفافية في عرض تقاريرها وبياناتها وإحصاءاتها وبحوثها، ولا يوجد نظامًا ما يمنعها من مشاركة المجتمع في تلك البيانات، كما أنه ليس هناك مبرر لاستمرار ذلك النوع من التكتم الذي يتعارض مع توجهات قيادتنا في مسألة تعزيز الشفافية والوضوح.
أخذت جولة في مواقع معظم الجهات الحكوميّة على شبكة الإنترنت لرؤية ما لديها من تقارير وبيانات مفتوحة للعامة، ولم أجد إلا تقارير قديمة وصفحات لم تُحدّث، وبيانات غير مكتملة، رغم أن الجهات الحكومية لديها إدارات للدراسات والأبحاث والإحصاءات لكنها مع الأسف ليس لديها مخرجات حقيقية منشورة وذات قيمة وثراء تفيد المجتمع والقطاعات العامة والخاصة والخيرية.
التحول الوطني 2020 استهدف بلوغ المملكة المرتبة 60 في مؤشر البيانات المفتوحة، أي التقدّم 14 مرتبة نحو الأمام، ولا شك في أنه تقدّم إيجابي ومهم في هذه المرحلة، ولكن لن يجري ذلك دون صرامة وإلزام للجهات الحكوميّة بتغيير سياساتها القائمة فيما يتصل بنشر البيانات، وجعلها ضمن الواجبات الرئيسة، إضافة إلى فرض مشاركتها وتفاعلها الإيجابي مع وسائل الإعلام، والرد على استفساراتهم بدلاً من الاكتفاء بالبيانات الصحفية التقليدية ورفض التعليق باستمرار عن أي مشكلة تحتاج إلى توضيح واستبانة.
كما أن ضعف مشاركة الجهات الحكومية في البيانات المفتوحة أنتج تساؤلات كبرى لدى شريحة واسعة من السكّان تجاه نطاق عملها وآليّات إنفاق ميزانيتها واهتماماتها الآنية والمستقبلية وحلولها لمعالجة المشكلات القائمة، وكان بإمكان نشر البيانات باستمرار أن تجيب عن معظم تلك الأسئلة الوجيهة، ليتحوّل السكّان إلى شريك استراتيجي من شأنه المساهمة في خطوات التنمية والبناء بدلاً من أن يقف الفرد حائرًا وبرأس مملوء بالاستفهامات ودون أيّة معلومات تقوده نحو الإجابة.