تحقيق - عادل الدوسري:
لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار «النصوص» كنوع جديد من الأدب بين الجيل الجديد من الأدباء، هو ليس جديداً بشكل «كلي» فقد طرقه الكثير من الأدباء سابقاً في هيئة رسائل، وربما اعتبره البعض الآخر فرعاً من فروع الشعر وسمي نثراً رغم اختلاف النقاد حول تسميته، ولكنه عاد إلى الساحة مجدداً بطريقة تبدو أقل عمقاً، وأخف أصالة، ويعزو الكثير من الأدباء القدامى والنقاد انتشار هذا النوع وعودته إلى الساحة بهذه الصورة إلى سهولة طرقه لعدم تقيده بأوزان الشعر وقوافيه وبحوره، وعدم احتكامه إلى حبكة الرواية المنطوية على أحداثها وإسهابها الذي يحتاج من الكاتب إلى نفسٍ أدبي أطول، لكن ربما كان لكُتاب هذه النصوص أسبابهم المختلفة، التي تود «الجزيرة الثقافية» في عرضها، لذلك توجهت لعدد منهم بهذا السؤال:
* لماذا انتشرت كتابة النصوص في الآونة الأخيرة بين الجيل الجديد من الأدباء، متفوقة بذلك على الشعر والرواية؟
«النصوص موجودة من العصر العباسي»
فيصل الحمودي الذي يملك إصدارين من النصوص قال: المتأمل في حال المشهد الأدبي في الفترة الأخيرة يجد تصدّر كتب النصوص والنثر والخواطر على إصدارات الرواية أو الشعر ، ومن وجهة نظر بسيطة قد تحتمل الصواب وقد تحتمل الخطأ ، ليس في أن النصوص أو النثر سهلٌ كتابته أو التعامل معه أو لأنه لا يحتكم إلى وزن الشعر وقافيته وبحره أو إلى الحبكة الدرامية والروائية الموجودة في الرواية، لو أن هذا صحيحًا لما وُجد النثر في العصر الإسلامي وكان تأثيره عظيمًا قولًا وتبيانًا وبلاغةً وإعجازاً، والذي تشكل في الخطابة والرسائل والتوقيعات ، ولما وجدنا ازدهار النثر كذلك في العصر العباسي حيث بلغ ذروته وتشكّل بذلك أدب الرسائل في عبدالحميد الكاتب وجاء بعده ابن المقفع ، وغيرهما كثر قاموا بجعل المكتبة الأدبية العربية أكثر ازدهارًا ، كالجاحظ وياقوت الحموي وابن خلدون وابن المبرد ومصطفى صادق الرافعي ومصطفى لطفي المنفلوطي وابن قتيبة وغيرهم كثر في العصر الحديث كجبران خليل جبران و رسائله مع مي زيادة و غادة السمان و أنسي الحاج وغسان كنفاني.
لذلك لا نستطيع القول بأن النصوص وأدب النثر أسهل من الشعر والرواية، لذلك كان التهافت عليه أكثر، ولو أردنا ذكر العبارة بطريقة أخرى قد نقول بأنه نوعٌ من الأدب الغير مقيّد ، مع العلم بأنه يجب أن يكون على مستوى رفيع من الفكرة والكلمة والمفردة والبلاغة والسبكة والحبكة النثرية، ليس لمجرد صف الكلام فقط ، فهو في وجهة نظري البسيطة أنه لا يقل أهمية عن الشعر والرواية ولا يقل صعوبةً كذلك، ما يحدث الآن بوجهة نظر أيضًا بسيطة يعتبر ظاهرة صحية، لكي نقرأ كل ما يمكن أن نقرأه ، لنفرّق بين الغث والسمين ، ولكي لا يختلط علينا الحابل بالنابل ، وليميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضٍ فنركمهُ جميعًا.
«هي الأقرب لانفعالات النفس»
أما رباب محمد القاصة وكاتبة النصوص فتقول: ربما لأن النص جاهز في المخيلة يحتاج بعض الوقت ليُكتب، وهو الأقرب لانفعالات النفس الحتمية والأسهل في التدوين من الرواية والقصة.
و هو الحل الأمثل لجفاف غيم الكتابة عند الكاتب فيستعيض بالنص حتى يرتوي ولا يصاب قلمه بالقحط.
النصوص القصيرة ربما أنها سمة للكتاب الشباب وربما لا تكون قاصرة من ناحية أدبية لكني ضد أن تكون هي المجال الأوحد للكتابة.. فالكتابة العميقة مثل القصة والراوية والشعر تكون مجدية وأكثر نفعاً إذا مارسها صاحبها بإتقان.
«الثورة المعلوماتية جعلت النصوص هدفاً أسهل للكاتب»
أما سليمان مسعود الذي كان له مؤلف جمع فيه نصوصه فقد قال:
النصوص حالها حال التوجهات الأخرى من الأدب، إلا أن عدم ارتباطها بشرطٍ أو قيد، سهّل على جيل الشباب اقتحامها، ونقول الشباب نظرًا للثورة المعلوماتية ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي والمشتتات الذهنية الكثيرة، التي امتصت أهم ما يجعل الكاتب مُلهمًا ومبدعًا ومختلفًا ومتفردًا عن غيره من الكتّاب الشباب، ألا وهو التأمل.
فمتى فُقدت هذه الصفة في الكاتب؛ صارتْ كتاباته محض افتراء على الأدب، لا تأتي بمتعة ولا تصنع فارقًا فيكون هذا الكتاب الذي ملأ بالنصوص الجوفاء فاقدًا لحضوره ومالئًا لمجلسٍ لا يستحقه.
لذلك فالمشتتات الذهنية، والتعجل في ولادة العمل الأدبي، دون الحاجة للتعمق في تفاصيل قد لا يملك الكاتب الجهد للخوض في أحداثها، وعدم الحاجة للقراءة والاطلاع العميق في أدوات الشعر أو الرواية، جعل من النصوص هدفًا أسهل لكل من أراد أن يكتب، سواء كان ما يكتبه أدبًا حقاً أو صف كلماتٍ أدبية.
«الأمر يعود لذائقة الكاتب»
أما منال بنت فهد صاحبة كتاب «في العتمة هناك أنثى» فتقول:
إن انتشار كتابة النصوص لدى الجيل الجديد من الكُتاب لا يقف التوجه إليه عند بساطة الأسلوب وسهولة الطرق وعدم التقيد بوزن وقافية بل إن الأمر برأيي يعود لذائقة الكاتب وميوله الأدبي، وأين يجد الكاتب نفسه، وكيف له أن يوظف مشاعره وأحاسيسه وتصل فكرته بهذا النوع من الكتابة الذي يحتاج كغيره من الفنون إلى تمكن ومهارات لا تقل عن كتابة الشعر والرواية، وهو فن أدبي جميل له شريحة كبيرة من القُراء تُقبل عليه.
«للنصوص أيضاً جماليتها الشاعرية»
أما بدر العسيري الذي يملك أربعة إصدارات جمع فيها نصوصه، فقد قال:
قبل ذلك أود أن أعرّج على جزئية بأن النثر هو فن من فنون الشعر، وهي حالة يتجلى فيها الكاتب ليجد المساحة الحرة للتعبير والانطلاق دون قيود، لا سيما وأن أصناف الشعر الأخرى هي مقيّدة بما سبق ذكره، إلا أن المؤسف هو اندثار ظاهرة النصوص (النثر) في هذا الجيل المعاصر، والمؤسف هو افتقاد الموهبة الحقيقية للناشر، فالنثر له جماليته الشاعرية المدهشة والتي يلزمها أدواتها أيضًا، وهي لا تقل أهمية عن أقسام الشعر الأخرى، ولأن الدور فتحت المجال للنشر بإسراف مخيف وأصبح تأليفك لكتاب أسهل من شربك لكأس من الماء، فهذا ما جعل الناس تتدافع بشراهة وشراسة نحو دور النشر لتأليف كتب كثيرة تصنّف ضمن النصوص معظمها يفتقد الموهبة الفعلية التي ربما يستند عليها فكرة إصدار كتاب. لقد أفسدوا جمالية النصوص بهذه الحرية الكتابية متناسين بأن النثر شعر جميل وحساس وهو مقيّد أيضًا بفكرةٍ مدهشة ولغة فاتنة. صدقني لم يكن النثر أكثر سهولة عن غيره، كل ما في الأمر أن هذا الجيل يقوم بتشويهه.
«النصوص لا تقل شأناً عن الرواية والشعر»
أما علياء حسونة التي جمعت نصوصها في كتابين فقالت: من الظلم القول بأن كتابة «النصوص» أمر سهل، فهي لا تقل شأناً عن الرواية والشعر، وهناك من كتبوا الرواية وافتقرت رواياتهم للإبداع برغم ما بذلوه من الخيال والسرد وصياغة الأحداث والحبكة الدرامية. والنصوص كما أسلفت تحتاج أيضاً للجهد الخيالي والإلهام والإبداع في التراكيب اللغوية والتشبيهات وكتابتها ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض.