يتضمن هذا الكتاب مخطوطة نادرة بقلم الكاتبة العربية الشهيرة / مي زيادة , وهو عبارة عن يوميات المرحلة الأخيرة من حياتها. إنه شبيه بـ (سيرة غير ذاتية) تناولها الأعرج بقلم الروائي, وبحس إنساني استلهم شخصية هذه الأديبة العربية الشهيرة, من نواح عدة, وليس بقلم المؤرخ, ونظرته التاريخية المجردة فحسب!
إن كل ما سبق أن قرأته عن مي زيادة شيء وما أقرأه الآن عنها من خلال هذا الكتاب شيء آخر ، دموعي تسيح وقلبي يعتصر ألماً ،حين أتصفح فيما بين يدي حروفا تنزف أسى وأوجاعا لا تداوى وحرمة تنتهك وتستباح !! لم أتصور يوماً ما بشاعة البشر إلى أين قد تصل بهم تجاه بعضهم كما وصل إليه حال هذه الكاتبة ذات الموهبة الفذة, والعبقرية المتفردة آخر أيام حياتها؟!!،تصور لنا السيدة مي عبر هذه المذكرات ذلك المسخ ابن عمها والذي مهما كتبت حروفها عنه فلن تصل إلى ما وصل إليه قلبي وعقلي من تصور هذا الشرير الذي استغل عاطفتها الفياضة تجاهه أبشع استغلال, انه يراها بحاجة للحب بعد ما فارقها المحبون وبقيت وحيدة تلازمها الذكريات المؤلمة. مي لم تصرح بحالتها النفسية للقراء قط بل إنها تشخصها ضمنيا حين تقول « أنا فقط مصابة بالاكتئاب بسبب الفقدان «. وهي أيضاً تعرف حجمها الحقيقي ككاتبة وتقدر ذاتها التي لم يعبرها الكثير . انها بعد ما ذهبت إلى لبنان وأحست بالخيانة تجاه المحيطين بها بدأت تتصرف بحذر وخوف جعل جوزيف وعائلته يستخدمون هذا الخوف ضدها ويزجون بها إلى (العصفورية) في نهاية الأمر, وكان شعورها بالوحدة والفقد هو ما جعلها مضطرة للجوء إلى ذلك الوحش المستبد المسمى (جوزيف ).
مي في (ليالي العصفورية) لم تكتب آلامها وأوجاعها فحسب, وانما كتبت سيرة موجزة لحياتها في هذا المكان الموبوء بالعزلة والوحشة، وقد شبهت كل من أحبته وأخلص معها بالغيوم ,فنجدها تكرر أثناء الكتابة عبارات الغيم, وأحيانا تصور نفسها كذلك كالغيوم -هتانةٌ أنت يا حبيبتي- أصعب مشهدين تصورتهما أمامي حين قرأت يومياتها, وكانا تأثيرهما علي قاسياً لدرجة انهمار دموعي واثارة مشاعري هما مشهد دخول أعوان جوزيف العصفورية وتخبط مي وصدمتها عندما أتوا ليأخذوها وليزجوا بها في تلك المصحة العقلية .والمشهد الآخر الذي أيضاً أثر بي هو صباح المحاضرة بعد انتصار مي وخروجها من العصفورية ، حيث أحسست فعلا أني قريبة من مي في تلك اللحظة !! . ليس من السهل على أي كاتب أن يجعلك ترى المشهد أو ما يتحدث عنه أمام عينيك لكن مي حالة استثنائية حين وصفت لنا حالتها وما شعرت به تجاه كل ما يمت لقصتها في العصفورية بصلة وبكل صدق وشفافية . ان من يقرأ لمي زيادة لا يشعر بالفارق الزمني بيننا وبينها ,لكونها عقلية سبقت عصرها . وأخيراً أتمثل بروح العظيمة مي وأقول على لسانها:
عزيزي واسيني الأعرج!! تمنيت أن يأتي بعدي من ينصفني وتوقعت أن يكون من عشاق مي زيادة الذين عاصروها ، ولكن لم يكن لي ذلك وقدر لي أن يكون ذلك الشخص هوأنت ،كنت كالغيمة التي هطلت بغزير غيثها فجرفت كل كدرة على أوراق الشجر والزهور وروتها ،وتشبعت الأرض بالمطر حتى اكتفت ! واسيني... هل توصل امتناني لروز خليل ولأم الصبايا ولابنتها ولذلك السائق ؟ واسيني... كنت أكثر الرجال صدقاً، لم أتصور أن يكتب عني رجل بكل هذا الإنصاف والحب! أشعر أنك كنت معي وتراني وتشعر تماماً بما أشعر به.
** **
- رواسي المهيمزي