فيصل أكرم
تتألّم أكثر، كلّما حاولتَ في أملٍ أن تتخفّف من آلامك.. يؤلمكَ التصاقُ الضماد بجسدك أكثر من إيلام انفتاح جرحك؟ المأساةُ نَعَم؛ ويؤلمكَ الحلمُ أكثر من الواقع، وتؤلمكَ التعازي أكثر من الفقدان، ويؤلمك الاحتضان...
هل تملك كل خواص الإنسان؟ تسأل، كما يسأل أيّ إنسان، ولكن جوابك لن يختلف إلا عن أجوبة كل إنسان.. فكلهم أجوبتهم واحدة، بينما سؤالك غير واحد.. كأيّ إنسان.
سيستمرّ زمانك في الهذيان، ويستمرّ هذيانك كزمان، وإذا مال بكليكما الطربُ فلسوف تغنيان: (بعد ما اتعوّدت بُعدك.. غصب عنّي) فهل لغصبكما، أنت وزمانك، عن..؟!
قلتَ في زمانٍ أتى ولم يمضِ بعدُ:
(كأنَّ الزمانَ ضريرٌ تربّى
على حافةِ الشمسِ، يرجو التقاطاً
لضوءٍ يشكّلُ وجهَ القمرْ!
كأنَّ المطرْ
ارتحالُ المسافاتِ مشطوفةً بالذيولِ
من الأرجل المستبدّةِ
كم ذا تبلَّلَ من كل كعبٍ بها الوعدُ
حتى الذي كانَ
منذُ التيقّظِ حتى السهرْ!
وآهٍ على من تبقّى ينادي
على قاربٍ كان يجري على النهرِ
حتى تفككَ، صار حطاماً
كمثلي تماماً..
وجئتُ وحيداً أحاولُ تركيبَ أخشابهِ
من جديدٍ
لتصلح جسراً يقاربُ دهراً بدهرْ؛
ولستُ أقولُ الحياةْ...
لستُ أقولُ النواةَ، الممراتِ، حتى الشجيراتْ
لستُ أقول سواها: الصلاةْ...
فلا شيء غير انحنائكَ فيها،
ملاذٌ لكلّكَ من كلّ تيهٍ
يناديك فيكَ نداءَ الحذرْ).
وتقول.. كان الهذيانُ كزمانٍ سيكتملُ قصيدةً، لولا حذرٌ يبالغ في الإعلان عن نفسه في أوان غير أوانه، وفي أماكن تبتعد كثيراً عن مكانه، فقد أصبح بلا وجودٍ مكينٍ حتى عند من يكتبون القصائد من أجل النشر في المتاحف.. بل إن الحذر صار غير موجود حتى على حيطان المتاحف – بعد اتساعها حدَّ الشتات؛ أعني متاحف زمنٍ مضى وهو لم يأتِ بعدُ:
(قيلَ: يا هذا الزمانْ
مهما تشابهت الدهورُ
هي الدقائقُ في اختلافْ.
قد قلتُ: أعرفُ، ربما
منذ الشجاعةِ أنني سأخافْ
وكأنني إنسانْ!
يا ربُّ لا تخذلْني فيَّ، عرفتني
قبلَ اختلاقِ طبائعي
وعرفتُ أنكَ مانحُ الإنصافْ
هذا أنا، واللهِ إني لم أقل أسماءهم
لكنهم قالوا، وباسمي، كلَّ ما ارتجفتْ له الأعطافْ
إن قيلَ: لا غَرْوَ، انتفضتُ من التعجُّبِ
واجترحتُ حكايتي
وسلبتها حقَّ الرّواةِ من الحواراتِ التي
يقتادها الإسفافْ
فهناكَ مشكاةٌ
ومئذنةٌ
ومقصلةٌ
وملهاةٌ، ومبكى..
أو كلّ هذا لا يهمُّ، إذا استقمنا في انحرافْ!
هل نستقيمُ؟
سألتني،
وسألتَ نفسكَ، يا شقيقَ الجرحِ في نزفٍ يبوحُ
فهل نظرتَ إليَّ باستخفاف..)؟!