م/ نداء بن عامر الجليدي
شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، من بوسطن حيث أنا الآن إلى أوكلاند عاصمة نيوزيلندا في أقصى الشرق، لا أتوقع أن هناك مدينة بخصائص الطائف ومميزاتها إلا ويكون عدد زوارها يفوق عدد ساكنيها بملايين. ولكن من خبرة سابقة لا يزور الطائف سوى بالكاد ما يصل إلى مئة ألف للسياحة رغم ما تتميز به من كثرة عناصر الجذب السياحي، إضافة إلى موقعها المميز بالنسبة للمنطقة، وقربها من مكة المكرمة ومدينة جدة. ومع استمرار تبني المملكة فلسفة الاقتصاد الحر فقد أضحى دور المخطط العمراني في توجيه القطاعَيْن الخاص والعام محورًا أساسيًّا من محاور سياسة الدولة الرامية إلى تنفيذ رؤية 2030 التنموية الطموحة، وانطلاقًا من دور المخطط في بناء الاقتصاد الوطني؛ إذ يعتبر المخطط العمراني إحدى أهم الأدوات في بناء الاقتصاد الوطني.
فكما نعلم، أصبحت حمَّى الاستثمارات السياحية داء محبذًا تفشيه في الدول المتقدمة، ويعمل العديد من كبار مخططي الاستثمار في تلك المناطق على زيادة واتساع عدواه بين كبار المستثمرين في بلادهم، غير أن مثل هذه المشاريع لن يكتب لها النجاح ما لم تستند إلى أرض صلبة، بذورها التخطيط العمراني الملموس على أرض الواقع، تعكسه أرقام الأرباح الفلكية التي تسجل، إضافة إلى السمعة الكبيرة التي تكتسبها هذه البلدان حتى إن بعض هذه المشاريع أصبح العلامة الفارقة التي نعرف البلد أو المدينة من خلالها. فعلى سبيل المثال: حين تُذكر ولاية فلوريدا نستحضر في مخيلتنا «ديزني وود».
أما المملكة فقد رسم القائمون على السياحة خططًا جيدة إلى حد ما، وبدؤوا العمل من النقطة التي انتهى عندها من سبقهم في هذا المجال، ولكن بعيدًا عن دور المخطط العمراني في هذه الخطط؛ لذا نجد أن الطائف تفتقر إلى كثير من الخطط التطويرية التي تعتمد على السياحة بالدرجة الأولى، وليست مشاريع جاذبة في فترة معينة ثم تموت المدينة بعدها. وأقولها - بكل أسف - إنه يتوافر بها فقط المشاريع التي تعتمد بشكل كبير ورئيسي على ما قامت الدولة بإنشائه من مرافق سياحية، والتي تكون في الغالب بلا مقابل. وهنا يكمن التنافس بين القطاعَين العام والخاص؛ إذ إن الخدمة مجانية لدى القطاع العام، بينما يفرض القطاع الخاص رسوم تكلفة على استخدام مرافقه السياحية.
ولعل من المقترحات التي تساعد على تشجيع التنمية والاستثمار في مدينة الطائف من منظور تخطيطي هو رسم خطط عمرانية لدعم المستثمرين بتسهيل بعض العقبات التي تواجههم في استثمارهم، مثل تخفيض أسعار الكهرباء للمشروع، أو توفير البنية الأساسية السياحية، أو إعطاء الأرض مجانًا لإقامة المشروع. وكثيرة الأسباب المؤدية إلى تشجيع المستثمر في الطائف، ولكن لا بد من الجهات الحكومية المسؤولة أن تسهل قيام مثل هذه المشاريع. والمجال مفتوح، وباب المنافسة مشرع على مصراعيه.. وكل ما ينقص هؤلاء المستثمرين الثقة في أفكارهم.. العديد منهم يحمل أفكارًا قوية، لو نُفذت لخرجت الطائف عن القالب المتكرر والممل بفكر استثماري سياحي عمراني جاذب للمستخدمين والمستثمرين، وذي ربح جيد. والدولة لا تألو جهدًا في تقديم الخدمات والتسهيلات كافة لهم؛ فكل ما سيقومون به من مشاريع سيعكس صورة جميلة عن السياحة بالمنطقة بشكل خاص، والمملكة بشكل عام.